وقال الحسن البصري في قوله ( لعله يتذكر أو يخشى) يقول: لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون: أهلكه قبل أن أعذر إليه. وهاهنا نذكر شعر زيد بن عمرو بن نفيل ، ويروى لأمية بن أبي الصلت فيما ذكره ابن إسحاق: وأنت الذي من فضل من ورحمة بعثت إلى موسى رسولا مناديا فقلت له يا اذهب وهارون فادعوا إلى الله فرعون الذي كان باغيا فقولا له هل أنت سويت هذه بلا وتد حتى استقلت كما هيا وقولا له آأنت رفعت هذه بلا عمد أرفق إذن بك بانيا وقولا له آأنت سويت وسطها منيرا إذا ما جنه الليل هاديا وقولا له من يخرج الشمس بكرة فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا وقولا له من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا ويخرج منه حبه في رءوسه ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
وقال له: أنا أردك شابا فخضب لحيته بالسواد فهو أول من خضب.
الأديان السماوية تدعونا إلى الطريقة المثلى لكيفية التحاور مع الآخرين واحترام بعضنا البعض، ومن أساسيات التحاور الاستماع والانصات للطرف الآخر، وكذلك اختيار المفردات والكلمات الطيبة والتحدث بنبرة صوت طبيعية. فالهدف من التحاور إحقاق الحق ورفع المظلومية وتصحيح المسار. الله سبحانه وتعالى، عندما خاطب الكافر الذي ادعى الألوهية (فرعون) وقال لقومه أنا ربكم الأعلى لعدة سنوات! أمر المولى عز وجل، سيدنا موسى، وهارون، عليهما السلام، بأن يذهبا إلى فرعون ويقولا له قولاً ليناً فى سورة طه (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ). بمعنى القول الطيب، والأدب في اللفظ من دون فحش، يكون له الأثر الإيجابي في نفوس الآخرين حتى وإن كان كافراً، والتعنيف في القول نتائجه تكون غير حميدة. فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً - الراي. (ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ). وتلك هي لغة التخاطب مع الآخر الذي يشمل الأدب والاحترام، وان اختلفنا مع الآخر فيكون باختيار الكلمات والمفردات الطيبة اللطيفة، وبالتأكيد سيكون الاحترام المتبادل بيننا وبين الآخرين يجعل الناس جميعاً تحترم بعضها البعض، بل الواجب على كل إنسان عاقل لزوم الرفق واللين وحسن الخطاب في كل مواقع الحياة في المنزل- العمل - المدرسة -الديوانية - المجالس - وسائل التواصل - كي يكون الأثر أبلغ والنفع أكبر والجدوى أوسع، وإن لم نلتزم باللين والرفق حتماً ستؤدي إلى الخلاف والقطيعة و التخاصم.
اللين واللطف والتماس الأعذار منهجٌ أصيل في الشريعة الإسلامية، وتُعد هذه الصفات أكثر طلباً والتزاماً بتحقيقها وتطبيقها في حقل الدعاة والمربين والإعلاميين، وكل من كان همه الإصلاح والتغيير. منذ سنواتٍ وأنا أحاولُ فهمَ الأسباب، وتفكيك المؤثرات التي جعلت أفراداً ممن تربوا في محاضنِ حِلَقِ القرآن والتربية الإسلامية يتحولون إلى مناهضين للفكر الإسلامي، وربما يتم تصنيفهم ضمن التيار الليبرالي، مع أن الكثير منهم في حقيقته متديناً بالفطرة، بل وحتى في جوهر وحقيقة علاقتهم بالله لازالت هي التي تربوا عليها منذ نعومة أظفارهم. " التيار الإسلامي يرتكب خطأً فادحاً عندما يشن هجومه الكاسح، بمجرد أن يشتمَ رائحة المخالفة، ومع تكرار الهجوم والضرب على رأس المخالِف، يتحوّل إلى الصف المقابل على الأقل إعلامياً، إذا لم تضعفْ نفسُه ويخور إيمانُه، فيتحول إلى عدو حقيقي إيماناً وفكراً. " معضلةُ تنصيبِ فئة من الناس أنفسهم على أنهم حماة للعقيدة، وحرّاس للفضيلة، وأن الحقَّ ما رأوه، والباطل َ ما حددوه ووضحوه، وعدم قبول وجهة نظر الطرف الآخر، تتكرر في كل زمان ومكان، والأكثر سوء عندما تتحول تلك الفئة إلى المناكفة بناء على خلافات شخصية مع من يخالفهم الرأي.
أسلوب موسى(ع) في الدعوة إلى الله وربما يوحي التحدث عن الغاية بكلمة {لَّعَلَّهُ} بالترقُّب لحصول التذكُّر والخشية، انطلاقاً من دراسة طبيعة تأثير الأسلوب في النتيجة، بعيداً عن الجانب الذاتي الخاص في الشخص المدعو، فإن الأساليب الرقيقة الهادئة التي تتعامل مع الأشخاص من موقع الدراسة الواعية لكل العوامل المؤثرة في أفكارهم ومشاعرهم، لا بد أن تؤدي إلى النتائج المرجوة. وعلى هذا الأساس، فإن المسألة لا تخرج عن طبيعتها، بوجود بعض العوامل المعاندة في حياة هذا الشخص أو ذاك.. لأن المبدأ يبقى قائماً في علاقة النتائج بالمقدمات، بنسبة غالبة. وقد لا يرد في هذا المجال الاعتراض الذي يقول كيف يقدم الله المسألة بأسلوب الترقُّب الذي يعني إمكانية التذكُّر والخشية من قبل فرعون، مع أن الله يعلم بأن فرعون لا يقبل الانفعال بالكلمات الهادئة الرسالية التي يلقيها موسى وهارون عليه.. فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى. ؟؟ إن المسألة، في ملاحظتنا للموضوع، هي أن الترجِّي كان بلحاظ طبيعة الأسلوب لا بلحاظ خصوصية الشخص والموقع، والله العالم. {قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَى} وكانت قوة فرعون وسطوته وجبروته في وعيهما، حيث عاشاه في الواقع الظالم القاسي الذي كان يمثل الظلم كأبشع ما يكون، والطغيان كأقسى ما يكون.