ومعنى ( يكذبك): ينسبك للكذب بسبب ما جئت به من الدين ، أو ما أنذرت به من الجزاء ، وأسلوب هذا التركيب مؤذن بأنهم لم يكونوا ينسبون النبيء - صلى الله عليه وسلم - إلى الكذب قبل أن يجيئهم بهذا الدين. [ ص: 431] ويجوز أن يكون الدين بمعنى الجزاء في الآخرة كقوله: ( مالك يوم الدين) وقوله: يصلونها يوم الدين وتكون الباء صلة ( يكذب) كقوله: ( وكذب به قومك وهو الحق) وقوله: ( قل إني على بينة من ربي وكذبتم به). ويجوز أن تكون ( ما) موصولة وماصدقها المكذب ، فهو بمعنى ( من) ، وهي في محل مبتدأ ، والخطاب للنبيء - صلى الله عليه وسلم - والضمير المستتر في ( يكذبك) عائد إلى ( ما) وهو الرابط للصلة بالموصول ، والباء للسببية ، أي: ينسبك للكذب بسبب ما جئت به من الإسلام أو من إثبات البعث والجزاء. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة التين - الآية 7. وحذف ما أضيف إليه ( بعد) فبنيت بعد على الضم ، والتقدير: بعد تبين الحق أو بعد تبين ما ارتضاه لنفسه من أسفل سافلين. وجملة ( أليس الله بأحكم الحاكمين) يجوز أن تكون خبرا عن ( ما) والرابط محذوف تقديره: بأحكم الحاكمين فيه. ويجوز أن تكون الجملة دليلا على الخبر المخبر به عن ( ما) الموصولة وحذف إيجازا اكتفاء بذكر ما هو كالعلة له ، فالتقدير: فالذي يكذبك بالدين يتولى الله الانتصاف منه ، أليس الله بأحكم الحاكمين.
فالإنسان كائنٌ "غيرُ طبيعي"، وهو يبرهنُ على "لاطبيعته" هذه بهذا العجزِ الكامنِ في صُلبِ بُنيتِه وكينونتِه، وذلك طالما استحال عليه أن يكونَ مفردةً من المفرداتِ التي تستخدمُها الطبيعةُ في مخططِها التصميمي وخُطَّتِها الغائية! قارن عجزَ العلمِ هذا عن التعليلِ للإنسان تعليلاً يُعينُ على تبيُّنِ عدم قدرته على احتلال "المكانةِ الطبيعية"، التي يُصِرُّ هذا العلم على أنَّ الإنسانَ يتمتَّعُ بها، بما جاءنا به القرآنُ العظيم من تبيانِ العلة من وراءِ "لاطبيعية" الإنسان وكيف أنَّ هذا القرآن قد علَّل لها بما حدث للإنسانِ من "ردةٍ" جعلته يقبعُ خارجَ مخططِ الطبيعة (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. إعراب القرآن الكريم: إعراب فما يكذبك بعد بالدين. ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) (4- من 6 التين). إنَّ هذا الذي جاء به القرآنُ العظيم من بليغِ تبيانٍ للعلةِ من وراءِ "رِدةِ الإنسان" لَيُعينُ على تبيُّنِ ما جاءتنا به خواتيمُ سورة التين (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ. أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (7- 8 التين). فمنذا الذي بمقدورِه أن يكذِّبَ هذا القرآن، وهو الذي أبانَ عن العلةِ التي تجعلُ من الإنسانِ كائناً رُدَّ أسفلَ سافلين ما لم يكن من الذين آمنوا وعملوا الصالحات؟
وتُسَمّى (سُورَةَ اقْرَأْ)، وسَمّاها الكَواشِيُّ في التَّخْلِيصِ (سُورَةَ اقْرَأْ والعَلَقِ). وعَنْوَنَها ابْنُ عَطِيَّةَ وأبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ (سُورَةَ القَلَمِ) وهَذا اسْمٌ سُمِّيَتْ بِهِ (سُورَةُ ن والقَلَمِ)، ولَكِنَّ الَّذِينَ جَعَلُوا اسْمَ هَذِهِ السُّورَةِ (سُورَةَ القَلَمِ) يُسَمُّونَ الأُخْرى (سُورَةَ ن). ولَمْ يَذْكُرْها في الإتْقانِ في عِدادِ السُّوَرِ ذاتِ أكْثَرَ مِنِ اسْمٍ. وهِيَ مَكِّيَّةٌ بِاتِّفاقٍ. وهِيَ أوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ في القُرْآنِ كَما ثَبَتَ في الأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ الواضِحَةِ، ونَزَلَ أوَّلُها بِغارِ حِراءٍ عَلى النَّبِيءِ ﷺ وهو مُجاوِرٌ فِيهِ في رَمَضانَ لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنهُ مِن سَنَةِ أرْبَعِينَ بَعْدَ الفِيلِ إلى قَوْلِهِ: (﴿عَلَّمَ الإنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ٥]). ثَبَتَ ذَلِكَ في الأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ عائِشَةَ. وفِيهِ حَدِيثٌ عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ، وهو الَّذِي قالَهُ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ والخَلَفِ. (p-٤٣٤)وعَنْ جابِرٍ: أوَّلُ سُورَةٍ المُدَّثِّرُ، وتُؤُوِّلَ بِأنَّ كَلامَهُ نَصَّ أنَّ سُورَةَ المُدَّثِّرِ أوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْرَةِ الوَحْيِ كَما في الإتْقانِ كَما أنَّ سُورَةَ الضُّحى نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْرَةِ الوَحْيِ الثّانِيَةِ.
﴿فَما يُكَذِّبُكَ بَعدُ بِالدّينِ﴾ - YouTube
(p-٤٣٢)رَوى التِّرْمِذِيُّ وأبُو داوُدَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "«مَن قَرَأ مِنكم (﴿والتِّينِ والزَّيْتُونِ﴾ [التين: ١]) فانْتَهى إلى قَوْلِهِ: (﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِأحْكَمِ الحاكِمِينَ﴾) فَلْيَقُلْ: بَلى وأنا عَلى ذَلِكَ مِنَ الشّاهِدَيْنِ» ". * * * (p-٤٣٣)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ العَلَقِ اشْتُهِرَتْ تَسْمِيَةُ هَذِهِ السُّورَةِ في عَهْدِ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ بِاسْمِ (سُورَةِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)، رُوِيَ في المُسْتَدْرَكِ عَنْ عائِشَةَ "أوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ القُرْآنِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ" فَأخْبَرَتْ عَنِ السُّورَةِ بِـ (﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق: ١]). ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وأبِي رَجاءٍ العُطارِدِيِّ ومُجاهِدٍ والزُّهْرِيِّ، وبِذَلِكَ عَنْوَنَها التِّرْمِذِيُّ. وسُمِّيَتْ في المَصاحِفِ ومُعْظَمِ التَّفاسِيرِ (سُورَةَ العَلَقِ) لِوُقُوعِ لَفْظِ (العَلَقِ) في أوائِلِها، وكَذَلِكَ سُمِّيَتْ في بَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ. وعَنْوَنَها البُخارِيُّ (﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: ١]).
فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) القول في تأويل قوله تعالى: فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ) فقال بعضهم معناه: فمن يكذّبك يا محمد بعد هذه الحجج التي احتججنا بها، بالدين، يعني: بطاعة الله، وما بعثك به من الحقّ، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: " ما " في معنى " مَنْ" ، لأنه عُنِيَ به ابن آدم، ومن بعث إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما يكذّبك أيها الإنسان بعد هذه الحجج بالدين. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، قال: قلت لمجاهد: ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) عني به النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله! عُني به الإنسان. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عمن سمع مجاهدا يقول: ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) قلت: يعني به: النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله! إنما يعني به الإنسان. دثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) أعني به النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله!
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ترجمة المؤلف: برهان الدين البقاعي الكتاب: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور المؤلف: إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (المتوفى: 885هـ) الناشر: دار الكتاب الإسلامي، القاهرة عدد الأجزاء: 22 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير] عدد المشاهدات: 94367 تاريخ الإضافة: 14 نوفمبر 2010 م اذهب للقسم:
الكتاب: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور المؤلف: أبو الحسن، برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّبَاط بن علي بن أبي بكر البقاعي (المتوفى: 885 هـ) دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت – 1415 هـ – 1995 م عدد الأجزاء / 8 تحقيق: عبد الرزاق غالب المهدي [ترقيم الشاملة موافق للمطبوع] [طبعة أخرى] بيانات الكتاب العنوان نظم الدرر في تناسب الآيات والسور المؤلف أبو الحسن، برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّبَاط بن علي بن أبي بكر البقاعي (المتوفى: 885 هـ)
وقع منه تكلف في بعض المواضع في استخراج المناسبة. النقل من التوراة والإنجيل، مما أثار عليه علماء عصره. زمن التأليف بدأ الإمام برهان الدين البقاعي في تأليفه عام 861 هـ، وانتهى من تأليفه عام 875 هـ، أي أنه مضى في تأليف نظم الدرر أربعة عشر سنة ، يبلغ عدد أجزاء الكتاب ثمانية أجزاء، تقع في 5073 صفحة. المصدر: