قيل لإبراهيم بن نصر الكرماني: "إنَّ الظالم فلانًا دخل مكَّة، فقتل وصنع، وكثر الدعاء عليه فلم يستجب للداعين؟ فقال: لأنَّ فيهم عشر خصال، فكيف يستجاب لهم؟ قالوا: وما هنَّ؟ قال: الأول: أقرُّوا بالله، وتركوا أمره، والثاني: قالوا: نحب الرسول، ولم يتبعوا سنته، والثالث: قرؤوا القرآن، ولم يعملوا به، والرابع: زعموا حب الجنة، وتركوا طريقها، والخامس: قالوا: نكره النار ، وزاحموا طريقها، والسادس: قالوا: إن إبليس عدونا، فوافقوه، والسابع: دفنوا موتاهم، فلم يعتبروا، والثامن: اشتغلوا بعيوب إخوانهم، ونسوا عيوبهم، والتاسع: جمعوا المال، ونسوا يوم الحساب ، والعاشر: نفضوا القبور، وبنوا القصور". أَحْسَنْتَ ظَنَّكَ بِالأَيَّامِ إِذْ حَسُنَتْ *** وَلَمْ تَخَفْ سُوءَ مَا يَأْتِي بِهِ القَدَرُ وَسَالَمَتْكَ اللَّيَالِي فَاغْتَرَرْتَ بِهَــا *** وَعِنْدَ صَفْوِ اللَّيَالِي يَحْدُثُ الكَدَرُ وإذا كان بسْط الوجه مِن صميم حُسن الخلق، فإنَّ بذْل المعروف، وكفَّ الأذى مِن أعْظم ركائِزِه، وبِغِيَابِهما كثُرتِ الخُصُومات، وتفاقمتِ المشادَّات.
حُسن الخُلق حسن الخلق هو: حالةٌ تبعث على حُسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، وطيب القول، ولطف المداراة، كما عرّفه الإمام الصادق عليهالسلام حينما سُئل عن حدّه فقال: ( تُليّن جناحَك، وتُطيّب كلامك، وتَلقَى أخاك ببشرٍ حسن) (1). من الأماني والآمال التي يطمح إليها كل عاقل حصيف، ويسعى جاهداً في كسبها وتحقيقها، أنْ يكون ذا شخصيّة جذّابة، ومكانةٍ مرموقة، محبّباً لدى الناس، عزيزاً عليهم. وإنّها لأمنيةٌ غالية، وهدف سامي، لا يناله إلاّ ذوو الفضائل والخصائص التي تؤهّلهم كفاءاتهم لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم والأريَحيّة والشجاعة ونحوها من الخصال الكريمة. البر وحسن الخلق للصف. بيد أنّ جميع تلك القيم والفضائل، لا تكون مدعاة للإعجاب والإكبار، وسموّ المنزلة، ورِفعة الشأن، إلاّ إذا اقترنت بحُسن الخُلق، وازدانت بجماله الزاهر، ونوره الوضّاء. فإذا ما تجرّدت منه فقدت قيمها الأصيلة، وغدَت صوراً شوهاء تثير السأم والتذمّر. _____________________ (1) الكافي للكليني. لذلك كان حسن الخُلق ملاك الفضائل ونظام عقدها، ومحوَر فلكِها، وأكثرها إعداداً وتأهيلاً لكسب المحامد والأمجاد، ونيل المحبّة والإعزاز. أنظر كيف يمجّد أهل البيت عليهمالسلام هذا الخُلق الكريم، ويُطرون المتحلّين به إطراءاً رائعاً، ويحثّون على التمسّك به بمختلَف الأساليب التوجيهيّة المشوقة، كما تصوّره النصوص التالية: قال النبيّ صلىاللهعليهوآله: ( أفاضلُكم أحسنُكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألَفَون ويُؤلَفون وتُوطأ رحالهم)(1).
وقال الباقر عليهالسلام: ( إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنُهم خُلقاً) (2). وقال الصادق عليهالسلام: ( ما يقدم المؤمن على اللّه تعالى بعملٍ بعد الفرائض، أحبّ إلى اللّه تعالى مِن أنْ يسعَ الناس بخُلُقه)(3). وقال عليهالسلام: ( إنّ اللّه تعالى ليُعطي العبد مِن الثواب على حُسن الخُلق، كما يُعطي المجاهد في سبيل اللّه، يغدو عليه و يروح)(4). وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله: ( إنّ صاحب الخُلُق الحسن له مثل أجرِ الصائم القائم)(5). وقال الصادق عليهالسلام: ( إنّ الخُلق الحسن يُميت الخطيئة، كما تُميت الشمس الجليد)(6). مقال عن بر الوالدين شامل - جريدة الساعة. وقال عليهالسلام: ( البِرُّ وحُسن الخُلق يُعمّران الديار، ويزيدان (1) الكافي. والأكناف جمع كنف، وهو: الناحية والجانب، ويُقال ( رجل موطأ الأكناف) أي كريمٌ مضياف. (2)، (3)، (4)، (5)، (6) عن الكافي. في الأعمار)(1). وقال عليهالسلام: ( إنْ شئت أنْ تُكرمَ فَلِن، وإنْ شِئت أنْ تُهان فاخشن)(2). وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله: ( إنّكم لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم)(3). وكفى بحُسن الخُلق شرَفاً وفضلاً، أنّ اللّه عزّ وجل لم يَبعث رُسله وأنبياءه إلى الناس إلاّ بعد أنْ حلاّهم بهذه السجيّة الكريمة، وزانهم بها، فهي رمزُ فضائلهم، وعنوان شخصيّاتهم.
ولكن هذا خطابٌ للمؤمن، أما الفاسق فإن الإثم لا يحيك في صدره، ولا يهمُّه أن يطَّلع عليه الناس؛ بل يجاهِر به ولا يبالي، لكن المؤمن لكون الله سبحانه وتعالى قد أعطاه نورًا في قلبه، إذا همَّ بالإثم حاك في صدره، وتردَّد فيه، وكره أن يطَّلع عليه الناس، فهذا الميزان إنما هو في حقِّ المؤمنين. أما الفاسقون، فإنهم لا يهمُّهم أن يطلع الناس على آثامهم، ولا تحيك الآثامُ في صدورهم؛ بل يفعلوها والعياذ بالله بانطلاقٍ وانشراح؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [فاطر: 8]. فقد يُزيَّن للإنسان سوء العمل فينشرح له صدره، مثل ما نرى من أهل الفسق الذين يشربون الخمر، وتنشرح صدورهم له، والذين يتعاملون بالربا وتنشرح صدورهم لذلك، والذين يتعودون العَهْر والزنا وتنشرح صدورهم لذلك، ولا يبالون بهذا؛ بل ربما إذا فعلوا ذلك سرًّا ذهبوا يُشيعونه ويعلنونه، مثل ما يوجد من بعض الفسَّاق إذا ذهبوا إلى البلاد الخارجية الماجنة الفاجرة ورجعوا، قاموا يتحدَّثون فعلتُ كذا وفعلتُ كذا، يعني أنهم زنوا بكذا وزنوا بكذا - والعياذ بالله - وشربوا الخمر وما أشبه ذلك.
أربعون عاما يارب قال لي أن أشكر نعمتك المباركة وعلى والدي وأن أعمل بشكل صحيح وأصلحني في ذريتي وأحبكم وأنا مسلمون (15). صالح الأب وبالمثل فإن الأب يعمل بجد، ويتعب، ويتحمل الصعوبات والمصاعب بالحب والسعادة ليأتي بك إلى ما تتمناه، ويصل بك إلى أعلى المستويات. هناك شيء بداخلك لا تملكه. كيف يمكن للأطفال أن يعصوا من فعل من أجلهم كل هذه الأعمال، بل عليه أن يعمل على راحتهم، ويرعاهم، فيكون تكريمهم من أعظم أبواب الخير التي تجعلك من الصالحين. الخروج بأوامر الله وأعماله، والتمسك بعقيدة الإسلام الصحيحة. البر أحق من الجهاد البر هو أيضا نوع من الجهاد. جاء حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رجلاً أتى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد ؛ أطلب أجر من الله. قال: (وهل من والديك على قيد الحياة؟). قال نعم. البر وحسن الخلق الذميم. ولكن الاثنين. قال النبي: (أتريدون أجرًا من الله؟). قال النبي محمد: (ارجع إلى والديك واصحبهما) رواه مسلم. إن البر أحق من الجهاد في سبيل الله إذا كان والداك على قيد الحياة، مما يؤكد ضرورة العناية بهم، وعدم تركهم، وتلبية حاجاتهم. التضحية والحب من أجل أطفالهم، لذلك عليك أن تعتني بصحتهم، وتلبية رغباتهم، وزيارتهم للمريض للاطمئنان على سلامتهم الصحية، فهذه كلها من أهم حقوقهم.