تزاحُم وتدافُع وتدفُّق على مقصورات القطار لأمواج بشرية كرمها الخالق ولم يرحمها المكتب الوطني للسكك الحديدية، ولا راعى ظروف العطلة ولا حسن من أدائه، وإن تغنت إعلاناته بملايين زبنائه وجميل خِدماته، فتكدست الأكوام البشرية مجردة من إنسانيتها بين مسافر لم يذق لذة الجلوس لساعات رغم بُعد الشقة، وأم بنين متجولة في ممرات القطار مستجدية مكانا يسعها وأبناءها، وشيخ زمن يبحث عن فرصة للجلوس مكنته منها مروءة شاب منحه مجلسه، وآخرون تركوا حقائبهم وراء ظهورهم في سعي حثيث عن مقاعد شاغرة، وجماعات تريد الصعود وأخرى تريد النزول بعد أن أدركت مستقرها، وبين الصعود والنزول مشقات وعقبات تحتاج إلى اقتحام. ضوضاء وضجيج وحرارة قاتلة وروائح كريهة تزكم الأنوف في أيام عطرة زكية نقية صافية، مع ضيوف ثقلاء من غير الجنس البشري يطلون على خشية بين الفينة والأخرى بحثا عن بقايا الطعام…ىما ورث أجواء من الاحتقان ووضعا قابلا للاشتعال.
فإذا أردنا أن نطرح رؤى تخدم استقرار الأسرة وبقاء الأمهات لرعاية وتربية أبنائهن وتحفيزهن على ترك العمل منح الأمهات مخصصاً مادياً شهرياً يشترط فيه: وجود الأمهات في بيوت الزوجية. لا تمنح المطلقة هذا المرتب للحد من هذه الظاهرة. إيقاف حافز والوظائف عن العاطلات من جميع الأعمار. قصة المثل القائل في الصيف أضاعت اللبن - في الصميم. فالأحداث الراهنة غير مطمئنة وفيها كثير من التفكك الأسري، فإن صلحت الأم صلح المجتمع وساهمت بصناعة إنسان يحمل مسؤولية الحياة فأغلب الإرهابيين من صغار السن، أطفال لم يرضعوا الحب من صدور أمهاتهم كما يجب، وضياع الأبناء مسؤولية الأمهات بالدرجة الأولى ثم الآباء ولا نملك إلا أن نردد ما قاله غادامير(إن الشيء الوحيد الذي يعد مألوفاً في عصرنا هو عدم الألفة نفسها).
· أشرت كثيراً إلى أدعياء الثقافة ولا سيما الذين يظنون إيراد الكلمات الإنجليزية وغيرهـا دليلاً على ثـقافتهم.
فالأول يضرب لمن يطلب شيئاً قد فَوَّته على نفسه، والثاني يضرب لمن قَنَع باليسير إذا لم يجد الخطير. وإنما خص الصيف لأن سؤالها الطلاقَ كان في الصيف، أو أن الرجل إذا لم يطرق ماشيته في الصيف كان مضيعاً لألبانها عند الحاجة.
هلا جعلنا من عطلنا فرصا للزيادة في العمل لا مِعولا لتقويض البناء؟ الخير في أمتنا إلى أن تقوم الساعة نعم، موعود يقيني راسخ نؤمن به إيماننا بهذا الدين، وعظمة هذا الدين، وخلود هذا الدين، ولكن هلاّ نبشنا عن مقومات خيريتنا وعضضنا عليها بالنواجذ؟ لتكن أخلاقنا ضياء أرواحنا ومصابيح أيامنا وأنشودة أعمارنا ومعارج آخرتنا. لتكن حياتنا أخلاقا وأخلاقنا حياة. وكل موسم وأنتم غانمون… وسالمون.