43 - تفسير سورة ا لزخرف عدد آياتها 89 ( آية 1-25) وهي مكية { 1-5} { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ * أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} هذا قسم بالقرآن على القرآن، فأقسم بالكتاب المبين وأطلق، ولم يذكر المتعلق، ليدل على أنه مبين لكل ما يحتاج إليه العباد من أمور الدنيا والدين والآخرة. إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} هذا المقسم عليه، أنه جعل بأفصح اللغات وأوضحها وأبينها، وهذا من بيانه. وذكر الحكمة في ذلك فقال: { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ألفاظه ومعانيه لتيسرها وقربها من الأذهان. تفسير سوره الزخرف للشعراوي. وَإِنَّهُ} أي: هذا الكتاب { لَدَيْنَا} في الملأ الأعلى في أعلى الرتب وأفضلها { لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} أي: لعلي في قدره وشرفه ومحله، حكيم فيما يشتمل عليه من الأوامر والنواهي والأخبار، فليس فيه حكم مخالف للحكمة والعدل والميزان. ثم أخبر تعالى أن حكمته وفضله يقتضي أن لا يترك عباده هملا، لا يرسل إليهم رسولا، ولا ينزل عليهم كتابا، ولو كانوا مسرفين ظالمين فقال: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} أي: أفنعرض عنكم، ونترك إنزال الذكر إليكم، ونضرب عنكم صفحا، لأجل إعراضكم، وعدم انقيادكم له؟ بل ننزل عليكم الكتاب، ونوضح لكم فيه كل شيء، فإن آمنتم به واهتديتم، فهو من توفيقكم، وإلا قامت عليكم الحجة، وكنتم على بينة من أمركم.
وإذ قد كان باعثهم على الطعن في القرآن تعلقهم بعبادة الأصنام التي نهاهم القرآن عنها كان من أهم أغراض السورة، التعجيب من حالهم إذ جمعوا بين الاعتراف بأن الله خالقهم والمنعم عليهم وخالق المخلوقات كلها. وبين اتخاذهم آلهة يعبدونها شركاء لله، حتى إذا انتقض أساس عنادهم اتضح لهم ولغيرهم باطلهم. وجعلوا بنات لله مع اعتقادهم أن البنات أحط قدرا من الذكور فجمعوا بذلك بين الإشراك والتنقيص. وإبطال عبادة كل ما دون الله على تفاوت درجات المعبودين في الشرف فإنهم سواء في عدم الإلهية للألوهية ولبنوة الله تعالى. وعرج على إبطال حججهم ومعاذيرهم، وسفه تخييلاتهم وترهاتهم. وذكرهم بأحوال الأمم السابقين مع رسلهم، وأنذرهم بمثل عواقبهم، وحذرهم من الاغترار بإمهال الله وخص بالذكر رسالة إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام. وخص إبراهيم بأنه جعل كلمة التوحيد باقية في جمع من عقبه وتوعد المشركين وأنذرهم بعذاب الآخرة بعد البعث الذي كان إنكارهم وقوعه من مغذيات كفرهم وإعراضهم لاعتقادهم أنهم في مأمن بعد الموت. تفسير سورة الزخرف للسعدي. وقد رتبت هذه الأغراض وتفاريعها على نسخ بديع وأسلوب رائع في التقديم والتأخير والأصالة والاستطراد على حسب دواعي المناسبات التي اقتضتها البلاغة، وتجديد نشاط السامع لقبول ما يلقى إليه.
إن دستور هذه الأمة ومصدر شريعتها هو القرآن الكريم، الذي أنزله الله عز وجل على سيد المرسلين وإمام النبيين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم، جاء به يخاطب العرب الفصحاء وأهل البادية الأقحاح بلسان عربي مبين، فكان حالهم كحال الأولين ممن سبقوهم من أمم الأرض، حيث رفضوا كتاب الله وكذبوا رسول الله، فكان عاقبتهم العذاب الأليم. القول في الحروف المقطعة وبيان فوائد ذكرها تفسير قوله تعالى: (حم * والكتاب المبين) وقوله تعالى: وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ [الزخرف:2] هذا قسم الله عزوجل، والله تعالى يقسم بما شاء، يقول تعالى: حم * وَالْكِتَابِ [الزخرف:1-2]، وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ [التين:1]، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق:1] أقسم تعالى بما شاء. أما نحن -عبيده- فلم يسمح لنا أن نحلف بغيره، أما هو جل جلاله وعظم سلطانه فيقسم بما شاء، وقسمه له فوائده وثماره، إذا أقسم بالشيء لفت النظر إلى ما فيه من الفوائد، أما عبيده -وهم نحن رجالاً ونساءً- فلا يحل لنا أن نحلف بغير الله، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المنبر الكريم يقول: ( ألا إن الله ورسوله ينهيانكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).
سميت في المصاحف العتيقة والحديثة سورة الزخرف وكذلك وجدتها في جوء عتيق من مصحف كوفي الخط مما كتب في أواخر القرن الخامس، وبذلك ترجم لها الترمذي في كتاب التفسير من جامعة، وسميت كذلك في كتب التفسير. وسماها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه سورة حم الزخرف وإضافة كلمة حم إلى الزخرف على نحو ما بيناه في تسمية سورة حم المؤمن روى الطبرسي عن الباقر أنه سماها كذلك. ووجه التسمية أن كلمة {وَزُخْرُفًا} [35] وقعت فيها ولم تقع في غيرها من سور القرآن فعرفوها بهذه الكلمة. وهي مكية: وحكى ابن عطية الاتفاق على أنها مكية، وأما ما روى عن قتادة وعبد الرحمان بن زيد بن أسلم أن آية {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45]. نزلت بالمسجد الأقصى فإذا صح لم يكن منافيا لهذا لأن المراد بالمكي ما أنزل قبل الهجرة. وهي معدودة السور الثانية والستين في ترتيب نزول السور، نزلت بعد سورة فصلت وقبل سورة الدخان. التفريغ النصي - تفسير سورة الزخرف_ (1) - للشيخ أبوبكر الجزائري. وعدت آيها عند العادين من معظم الأمصار تسعا وثمانين، وعدها أهل الشام ثمانيا وثمانين. أغراضها: أعظم ما اشتملت عليه هذه السورة من الأغراض: التحدي بإعجاز القرآن لأنه آية صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به والتنويه به عدة مرات وأنه أوحى الله به لتذكيرهم وتكرير تذكيرهم وإن أعرضوا كما أعرض من قبلهم عن رسلهم.