وفي إمكان الداعي إلى الله -جل وعلا أينما كان- أن يبصر الناس ويرشدهم إلى توحيد الله وطاعته، ويحذرهم من البدع، ويتلو عليهم النصوص من الآيات الكريمات، والأحاديث النبوية التي فيها بيان الحق، والدعوة إليه، وفيها التنبيه على أنواع الباطل، والتحذير منه، وهذا هو الذي أراه لازمًا ومتعينًا في حق الدعاة إلى الله حتى لا يتأسوا بـالصوفية فيما يفعلون، وحتى لا يفتحوا على الناس باب شر لكل أحد، كل من أراد أن يبايع أحدًا قال: بايعني كما بايع فلان وكما بايع فلان، والله المستعان، نعم. المقدم: جزاكم الله خيرًا، سماحة الشيخ، أعلم أن هناك إحدى الجماعات أحسبها ولا أزكي على الله أحد، أحسبها تهتم بأمر الدعوة إلى الله، لكن من ضمن ما تعمله هذا الذي يسمى المبايعة، هل من توجيه لسماحة الشيخ؟ الشيخ: نعم، نعم، الذي أوصي به إخواني جميعًا ترك هذه الطريقة -وهي المبايعة- وأن يكتفي الداعي إلى الله -جل وعلا- بالدعوة إلى الله، وإرشاد الناس إلى الخير والنصيحة، والحث على اتباع الحق ولزومه، وترك ما خالفه أينما كان، وليس المقصود بيعة فلان أو فلان. المقصود: اتباع الرسول ﷺ فيما جاء به، والالتزام بذلك، فالله ألزم الناس بطاعة الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، وإن لم يكن هناك بيعة، فإن المؤمن يلزمه طاعة الله ورسوله في كل شيء، وترك ما نهى الله عنه ورسوله في كل شيء، سواء كان من الصحابة أو من غير الصحابة، لكن البيعة من باب التأكيد، من باب التأكيد على التزام الحق الذي بعث الله به نبيه محمد ﷺ.
وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، وصارت البيعة تقترن بالمصافحة بالأيدي. اهـ. وقال في تحفة الأحوذي: والمبايعة عبارة عن المعاهدة، سميت بذلك تشبيها بالمعاوضة المالية كما في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ {التوبة: 111}. اهـ. والله أعلم.
[٤] دروس وعِبر بيعة العقبة الأولى إنّ لبيعة العقبة الأولى أهميّة بالغة في التّاريخ الإسلاميّ، فكانت حلقة مهمّة في بناء الدّولة الإسلاميّة، وبيان ذلك فيما يأتي: [٤] [٣] أراد الله -تعالى- أن تكون نُصرة الإسلام من المدينة المنوّرة وليس من مكّة المكرّمة رغم أنّها بلد الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- التي وُلد ونشأ فيها؛ ممّا يدلّ على أنّ الإسلام ليس ديناً خاصّاً بقبيلة أو دولة معيّنة، وإنّما هو دين عالميّ لكلّ النّاس. ما معنى البيعة لإمام المسلمين في العسر واليسر - جريدة الوطن السعودية. شاء الله -عزّ وجلّ- أن تكون نُصرة الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- والصّحابة -رضي الله عنهم- بعد صبرٍ طويلٍ وكفاح لعدّة سنوات، وفي ذلك إشارة لأهميّة الصّبر والسّعي الحثيث لتحقيق المُراد، فالرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- لم ييأس من دعوة قريش؛ وإنّما سعى لدعوة غيرهم حتى استقرّ في المدينة المنوّرة. تدرّج النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في تفصيل وبيان أحكام الشّريعة الإسلاميّة لأهل المدينة، فلم يفرض عليهم الجهاد في البيعة الأولى؛ لعلمه بأنّ طبيعة الإنسان تقتضي التدرّج في الأوامر والنّواهي، كما أنّهم حديثو عهد بالإسلام وربما يشقّ عليهم الجهاد. تَرْك العنصريّة القبليّة بمجرّد الدخول في الإسلام.
فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضيناك، فلِ أمرنا باليُمن والبركة" [5]. وهذه الحادثة، مع ما فيها من زهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، إلا أنها تؤكد لنا وعي أبناء الحضارة الإسلامية في اختيارهم لمن يُصلح لهم شئون حياتهم. شروط تحقيق البيعة في الإسلام ولأهمية أمر البيعة، فقد عقد لها فقهاء المسلمين خمسة شروط لازمة التحقق، وهي: (1) أن يجتمع في المأخوذ له البيعة شروط الإمامة، وقد ذكرناها في مبحث شروط الخلافة. (2) أن يكون المتولِّي لعقد البيعة أهل الحلِّ والعقد من العلماء والرؤساء، وسائر وجوه الناس. (3) أن يُجيب المبايَع إلى البيعة؛ حتى لو امتنع لم تنعقد إمامته ولم يُجْبَر عليها. (4) الإشهاد على المبايعة، فيما إذا كان العاقد واحدًا، أما إذا كان العاقد للبيعة جمعًا، فإنه لا يشترط الإشهاد. (5) أن يتَّحِدَ المعقود له، بأن لا تُعقد البيعة لأكثر من واحد [6]. ولا شكَّ أن هذه الشروط التي أقرَّها فقهاء الإسلام، لتُعَدُّ من المعالم الحضارية البارزة في مؤسسة الحكم الإسلامية؛ لأن غرض هذه الضوابط جلب كل المصالح التي يحتاجها المجتمع الإسلامي. معنى حديث: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». د. راغب السرجاني [1] ابن منظور: لسان العرب، مادة بيع 8/23.
لا يا سادة، إنكم هذه المرة أخطأتم العنوان، و»زمان أول تحوّل»، فلن تكون طرابلس اليوم وغداً وبعد غدٍ، مكسر عصا لكم أو لغيركم، ولن تكون مرتعاً لأبالستكم وشياطينكم وفسادكم، وقد حان وقت الانتقام واسترجاع الحقوق والبداية ستكون حتماً في صناديق الاقتراع، و»إنّ غداً لناظره قريب».
لو مات عمر t لبايعت فلانًا. فلا يغترَّنَّ امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر t كانت فلتة فتمت. ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن وقى الله شرَّها، وليس فيكم من تتطلع إليه الأعناق مثل أبي بكر t، من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه لغرَّة أن يقتلا" [3]. ثم ساق خبر بيعة أبي بكر t، وما كان يخشى من وقوع الفتنة بين المهاجرين والأنصار لولا تلك المبادرة بمبايعته للثقة بقبول سائر المسلمين، وقد أقرَّت جماعة الصحابة عمر t على ذلك؛ فكان إجماعًا فتقرَّر بهذا. فالأصل في المبايعة أن تكون بعد استشارة جمهور المسلمين، واختيار أهل الحِلِّ والعقد، ولا تُعتبر مبايعة غيرهم إلا أن تكون تبعًا لهم [4].