فردَّه مرتين أو ثلاثا ، فلما خرج به قال له سالم: صليت الغداة ؟ قال: نعم. قال: فخذ أي الطريق شئت ، ثم جاء فطرح السيف ، فقال له الحجاج: أضربت عنقه ؟ قال: لا ، قال: ولِمَ ذاك ؟ قال: إني سمعت أبي هذا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَن صَلَّى الغَدَاةَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ حَتَّى يُمسِيَ)!! والقول الثاني: أن يكون المقصود من الحديث التحذير من ترك صلاة الصبح والتهاون بها ، فإن في تركها نقضا للعهد الذي بين العبد وربه ، وهذا العهد هو الصلاة والمحافظة عليها. قال البيضاوي: " ويحتمل أن المراد بالذمة الصلاة المقتضية للأمان ، فالمعنى: لا تتركوا صلاة الصبح ولا تتهاونوا في شأنها ، فينتقض العهد الذي بينكم وبين ربكم ، فيطلبكم الله به ، ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه أدركه ، ومن أدركه كبه على وجهه في النار ، وذلك لأن صلاة الصبح فيها كلفة وتثاقل ، فأداؤها مظنة إخلاص المصلي ، والمخلص في أمان الله " انتهى. نقلا عن "فيض القدير" (6/164) وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن فضيلة الدخول في ذمة الله تعالى وجواره ، المذكورة في هذا الحديث ، إنما تثبت لمن صلى الصبح في جماعة ؛ ولذلك بوب عليه النووي رحمه الله ـ في تبويبه لصحيح مسلم: باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة ، وسبقه إلى ذلك المنذري رحمه الله ، فذكر الحديث في كتابه: الترغيب والترهيب ، باب: ( الترغيب في صلاة الصبح والعشاء خاصة ، في جماعة ، والترهيب من التأخر عنهما).
انتشر هذا الحديث بهذا اللفظ [ من صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح] بين الكثير من الخطباء وطلاب العلم ، فضلاً عن العامة ، ولا يوجد حديث بهذا اللفظ في دواوين السنة ، ولا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم. وجاء حديثان اثنان ، بلفظ وسياق قريب نوعاً ما ، مما يظهر أن قائله وَهِم وأخطأ فيهما ، فأنتج حديثاً جديداً منهما: ما جاء من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: (( من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله ، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء ، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم)) ، [ صحيح الإمام مسلم - ٦٥٧]. وما جاء من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول: (( من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله)) ، [ صحيح الإمام مسلم - ٦٥٦]. فلا يوجد حديث بهذا اللفظ [ من صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح] ، فتنبّه لهذا!
وفي الموطأ عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله). وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار). وقال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن. وفي سنن ابن ماجه عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله تعالى). والله أعلم. 16 0 1, 684
السؤال: في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من صلى العشاء في الجماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله": يقول أسئل عن الأتي:;; أولا: هل يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم "ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله" أنه يحصل له الأجر حتى ولو لم يصل العشاء في جماعة لأن الجملة كالمستأنفة فلم يقل فإذا صلى الفجر في جماعة. ;;; ثانياً: كيف نرد على من فهم من هذا الحديث عدم وجوب صلاة الجماعة لأنه يزعم أن في ترغيباً فقط في الجماعة؟ وجزاكم الله خير.
قال ابن الجوزي رحمه الله: معنى الحَدِيث: أَن من صلى الْفجْر فقد أَخذ من الله ذماما, فَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يُؤْذِيه بظُلْم ، فَمن ظلمه فَإِن الله يُطَالِبهُ بِذِمَّتِهِ. كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي ص345 وقال القرطبي: "فهو في ذمّة الله" أي: في أمان الله ، وفي جواره ؛ أي: قد استجار بالله تعالى ، والله تعالى قد أجاره ، فلا ينبغي لأحد أن يتعرض له بضر أو أذى ، فمن فعل ذلك فالله تعالى يطلبه بحقه ، ومن يطلبه لم يجد مفرًّا ولا ملجأ, وهذا وعيد شديد لمن يتعرض للمصلين. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي 6/68 وأما أصحاب المذهب الثاني فيقولون: إن المقصود من الحديث التحذير من التهاون في صلاة الفجر, إذ إن تركها نقض للعهد الذي بين العبد وربه سبحانه, ومن هنا جاء في فيض القدير للمناوي نقلا عن الإمام البيضاوي: ويحتمل أن المراد بالذمة الصلاة المقتضية للأمان ، فالمعنى: لا تتركوا صلاة الصبح ولا تتهاونوا في شأنها ، فينتقض العهد الذي بينكم وبين ربكم ، فيطلبكم الله به ، ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه أدركه ، ومن أدركه كبه على وجهه في النار ، وذلك لأن صلاة الصبح فيها كلفة وتثاقل ، فأداؤها مظنة إخلاص المصلي ، والمخلص في أمان الله.