لقد أرسل الله موسى صلى الله وسلم عليه وعلى نبينا وإخوانهما من النبيين والمرسلين، أرسله إلى فرعون بالآيات البينات ودعاه إلى توحيد رب الأرض والسماوات، فقال فرعون منكراً وجاحدا: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:23] فأنكر الرب العظيم الذي قامت بأمره الأرض والسماوات وكان له آية في كل شيء من المخلوقات فأجابه موسى هو: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} [الشعراء:24]، ففي السماوات والأرض وما بينهما من الآيات ما يوجب الإيقان للموقنين، فقال فرعون لمن حوله ساخراً ومستهزئاً بموسى: {أَلاَ تَسْتَمِعُونَ} [الشعراء:25]. الحمد لله العلي الكبير، المتفرد بالخلق والتقدير والتدبير، الذي أعز أولياءه بنصره، وأذل أعداءه بخذله، فنعم المولى ونعم النصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب والمصير وسلم تسليماً. أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واذكروا أيام الله لعلكم تتذكرون، واذكروا أيام الله بنصر أوليائه لعلكم تشكرون، واذكروا أيام الله بخذلان أعدائه لعلكم تتقون، واذكروا أيام الله إذا نزل للقضاء بين عباده فقضى بينهم بفضله وعدله لعلكم توقنون، إن نصر الله لأوليائه في كل زمان ومكان وأمة هو نصر للحق وذلة للباطل وأخذ للمتكبر ونعمة على المؤمنين إلى قيام الساعة.
الرشد (3) قصة موسى عليه السلام كتبه/ شريف الهواري قصة موسى عليه السلام أعطاها الله تعالى في القرآن الكريم أكبر مساحة من الطرح والعرض؛ تارة تفصيلًا وتارة إجمالًا، وتارة تلميحًا؛ لأن فيها موضوعين في غاية الأهمية: الصراع مع فرعون وملئه، والصراع مع بنى إسرائيل، فسيدنا موسى عليه السلام هو رسول كريم من أولي العزم من الرسل، أنزل الله عليه (التوراة)، وخصه بالكلام مع نبينا عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك يسأل موسى عليه السلام ربه: هل هناك مَن هو أعلم مني؟ وهذا ليس كما يقول المجرمون أنه عُجب أو استعلاء؛ حاشاه أن يكون كذلك! لكنه يسأل الله عز وجل: هل يوجد هناك أحد أنت أعلم به مني يعلوني في العلم كي أذهب إليه وأتعلم منه؟! فأجابه ربنا جل وعلا أنه هناك مَن هو أعلم منه؛ عبد صالح من عباد الله، وقد اختلف السلف الصالح هل هو نبي أم رجل صالح، وهو رجل صالح على الأرجح، وهو الخضر عليه السلام. ودله المولى عز وجل كيف يجده؛ فسار موسى عليه السلام مع غلامه يوشع بن نون حتى وصل إلى الخضر عليه السلام وصحبه ليتعلم منه ما يحتاج إليه، وعندما وجده موسى سلَّم عليه وسعد أنه وجد ضالته، فقال له: "هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا"، فموسى عليه السلام يبحث عن الرشد، ويحتاج إليه من هذا العبد الصالح.
وللأسف قد تقابلنا مشاكل خاصة ومشاكل مجتمعية وسياسية واقتصادية، وفتن، ومناهج فكرية تُطرح وتُعرض، وينتاب البعض الكِبر فيمنعه من البحث عن عالمٍ متخصص يأخذ منه التوجيه والإرشاد؛ لماذا؟! هل نريد الحلول جاهزة دون عناء؟! هذا نبي من أنبياء الله عز وجل يبذل هذا البذل من أجل أن يطلب (الرشد)؟! همم عالية جدًّا، فأنت أيها الشاب تحتاج فعلًا أن تبحث عن أهل الرشد لتتعلم منهم، لتصحبهم، لتكون في رفقتهم؛ هذا أمر ضروري، ومهم جدًّا. مثال آخر: لا يفوتنا أن نتكلم عن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام إمام أهل الرشد، أعظم من حصَّل الرشد وأكثر ما أعطى الرشد عليه الصلاة والسلام؛ بدليل لو نظرنا إلى المرحلة المكية ثم المرحلة المدنية، وكيف تعامل تحت تلك الضغوط الرهيبة، وكيف كان الرشد يشع من جوانبه عليه الصلاة والسلام. مثله كمثل فتية الكهف وسيدنا إبراهيم وموسى عليهما السلام تكالبت قوى الشر عليه؛ قريش وقبائل العرب في أطراف الجزيرة وظهر النفاق في المدينة بعد معركة بدر، وأهل الكتاب واليهود، فقد وُضِع تحت ضغوط رهيبة.