والتأويب مرادف للتوبة ، كما يعني التسبيح وهو ما أشار إليه الدكتور عبد الصبور مرزوق (6) ، وكلاهما يعني رجوع العبد إلى الله ، ومفارقته لصراط المغضوب عليهم والضالين ، وذلك لا يحدث إلا بهداية الله إلى الصراط المستقيم ، ولا تحصل هدايته إلا بإعانته وتوحيده. ويشير الإمام ابن قيم الجوزية إلى لطائف أسرار التوبة في ثلاثة أشياء: أن ينظر الجناية التي قضاها الله عليه فيعرف مراد الله فيها ، فإن الله (تبارك وتعالى) إنما خلى العبد والذنب لأجل معنيين ؛ أحدهما أن يعرف عزته في قضائه ، وبره في ستره ، وحلمه في إمهال راكبه ، وكرمه في قبول العذر منه ، وفضله في مغفرته. معنى الاسم أواب. والثاني أن يقيم على عبده حجة عدله ، فيعاقبه على ذنبه بحجته. أما اللطيفة الثانية من أسرار التوبة والرجوع إلى الله تعالى ففي أن يرى التائب قبح ما نهى الله عنه ، وحسن ما أمر به ، وأنه كان مفسداً حين ركب ما نهاه الله تعالى عنه ، واللطيفة الثالثة التي أشار إليها ابن قيم الجوزية من أسرار التوبة التي يتضح فيها الحسن والقبح تقتضي رؤية الفرق بين محبة الله ورضاه ، ومشيئته وإرادته الكونية ، وعدم التسوية بينهما ، أو اعتقاد تلازمهما.
ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان لل أواب ين غفورا ﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ سورة: الإسراء الاية: (25) ترتيب السورة في المصحف: (17) عدد الايات:(111) صفحتها بالمصحف:(282) مدنية معنى الآية: ربكم أعلم بما في نفوسكم ( من بر الوالدين وعقوقهما ( إن تكونوا صالحين ( أبرارا مطيعين بعد تقصير كان منكم في القيام بما لزمكم من حق الوالدين وغير ذلك ( فإنه كان للأوابين ( بعد المعصية ( غفورا (قال سعيد بن جبير في هذه الآية: هو الرجل يكون منه البادرة إلى أبويه لا يريد بذلك إلا الخير فإنه لا يؤاخذ به. قال سعيد بن المسيب: " الأواب ": الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب. قال سعيد بن جبير: الرجاع إلى الخير. وعن ابن عباس قال: هو الرجاع إلى الله فيما يحزبه وينوبه. وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: هم المسبحون ، دليله قوله: " يا جبال أوبي معه " ( سبأ - 10). قال قتادة: هم المصلون. قال عوف العقيلي: هم الذين يصلون صلاة الضحى. معنى كلمة اوبا. أخبرنا أبو الحسن طاهر بن الحسين الروقي الطوسي أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب أخبرنا أبو النضر محمد بن محمد بن يوسف حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن هشام صاحب الدستوائي عن قتادة عن القاسم بن عوف عن زيد بن أرقم قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون صلاة الضحى فقال: " صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى ".
قال قتادة في تأويل الآية الكريمة: هذا الذي توعدون أيها المتقون ، أن تدخلوها وتسكنوها ، وقوله:) لِكُلِّ أَوَّابٍ ( يعني: لكل راجع من معصية الله إلى طاعته ، تائب من ذنوبه ، وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك كما يذكر الإمام الطبري في تفسيره ، فقال بعضهم هو المسبح ، وقال بعضهم هو التائب. معنى كلمة اوباش. ويقول ابن جرير الطبري: حدثنا ابن حميد ، قال: حدثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ،قال: سألت ابن عباس ، عن الأواب الحفيظ ، قال: حُفظ ذنوبه حتى رجع عنها (5) ، وقال آخرون: معناه: أنه حفيظ على فرائض الله وما ائتمنه عليه. وقال قتادة: حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمته. ويذيل الإمام الطبري تعليقه بأن أولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره وصف هذا التائب الأواب بأنه حفيظ ، ولم يحصر به على حفظ نوع من أنواع الطاعات دون نوع ، فالواجب أن يعم كما عم جل ثناؤه ، فيقال: هو حفيظ لكل ما قربه إلى ربه من الفرائض والطاعات والذنوب التي سلفت منه للتوبة منها والاستغفار. ويذكر الإمام ابن قيم الجوزية (5) أن التوبة أول المنازل وأوسطها وآخرها ، فلا يفارقه العبد السالك ، ولا يزال فيه إلى الممات ، فالتوبة هي بداية العبد ونهايته ، وحاجته إليها في البداية والنهاية ضرورية ، يقول الله تبارك وتعالى:) وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (.