تفسير السعدي { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ْ} مستمرين على تقواهم { طَيِّبِينَ ْ} أي: طاهرين مطهرين من كل نقص ودنس يتطرق إليهم ويخل في إيمانهم، فطابت قلوبهم بمعرفة الله ومحبته وألسنتهم بذكره والثناء عليه، وجوارحهم بطاعته والإقبال عليه، { يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ْ} أي: التحية الكاملة حاصلة لكم والسلامة من كل آفة. وقد سلمتم من كل ما تكرهون { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ْ} من الإيمان بالله والانقياد لأمره، فإن العمل هو السبب والمادة والأصل في دخول الجنة والنجاة من النار، وذلك العمل حصل لهم برحمة الله ومنته عليهم لا بحولهم وقوتهم. تفسير القرطبي الذين تتوفاهم الملائكة طيبين قرأ الأعمش وحمزة يتوفاهم الملائكة في الموضعين بالياء ، واختاره أبو عبيد; لما روي عن ابن مسعود أنه قال: إن قريشا زعموا أن الملائكة إناث فذكروهم أنتم. الباقون بالتاء; لأن المراد به الجماعة من الملائكة. وطيبين فيه ستة أقوال: الأول: طيبين طاهرين من الشرك. الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ-آيات قرآنية. الثاني: صالحين. الثالث: زاكية أفعالهم وأقوالهم. الرابع: طيبين الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله - تعالى -. الخامس: طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله.
ولدار الآخرة خير من هذه الدار وما فيها من أنواع اللذات والمشتهيات، فإن هذه نعيمها قليل محشو بالآفات منقطع، بخلاف نعيم الآخرة ولهذا قال: ولنعم دار المتقين. (31 - 32 جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون أي: مهما تمنته أنفسهم وتعلقت به إرادتهم؛ حصل لهم على أكمل الوجوه وأتمها، فلا يمكن أن يطلبوا نوعا من أنواع النعيم الذي فيه لذة القلوب وسرور الأرواح ، إلا وهو حاضر لديهم، ولهذا يعطي الله أهل الجنة كل ما تمنوه عليه، حتى إنه يذكرهم أشياء من النعيم لم تخطر على قلوبهم. فتبارك الذي لا نهاية لكرمه، ولا حد لجوده الذي ليس كمثله شيء في صفات ذاته، وصفات أفعاله وآثار تلك النعوت، وعظمة الملك والملكوت. الباحث القرآني. كذلك يجزي الله المتقين لسخط الله وعذابه؛ بأداء ما أوجبه عليهم من الفروض والواجبات المتعلقة بالقلب والبدن واللسان من حقه وحق عباده، وترك ما نهاهم الله عنه. الذين تتوفاهم الملائكة مستمرين على تقواهم طيبين أي: طاهرين مطهرين من كل نقص ودنس يتطرق إليهم ويخل في إيمانهم، فطابت قلوبهم بمعرفة الله ومحبته ، وألسنتهم بذكره والثناء عليه، وجوارحهم بطاعته والإقبال عليه، يقولون سلام عليكم أي: التحية الكاملة حاصلة لكم ، والسلامة من كل آفة ، وقد سلمتم من كل ما تكرهون.
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32) الذين تتوفاهم الملائكة طيبين قرأ الأعمش وحمزة يتوفاهم الملائكة في الموضعين بالياء ، واختاره أبو عبيد; لما روي عن ابن مسعود أنه قال: إن قريشا زعموا أن الملائكة إناث فذكروهم أنتم. الباقون بالتاء; لأن المراد به الجماعة من الملائكة. وطيبين فيه ستة أقوال: الأول: طيبين طاهرين من الشرك. الثاني: صالحين. الثالث: زاكية أفعالهم وأقوالهم. الرابع: طيبين الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله - تعالى -. الخامس: طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله. شبكة الألوكة. السادس: طيبين أن تكون وفاتهم طيبة سهلة لا صعوبة فيها ولا ألم; بخلاف ما تقبض به روح الكافر والمخلط. والله أعلم. يقولون سلام عليكم يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون السلام إنذارا لهم بالوفاة. الثاني: أن يكون تبشيرا لهم بالجنة; لأن السلام أمان. وذكر ابن المبارك قال: حدثني حيوة قال أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي قال: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك الموت فقال: السلام عليك ولي الله الله يقرأ عليك السلام. ثم نزع بهذه الآية " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ".
(p-١٤٤)﴿الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ مُقابِلُ قَوْلِهِ في أضْدادِهِمْ ﴿الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ﴾ [النحل: ٢٨]، فَما قِيلَ في مُقابِلِهِ يُقالُ فِيهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ تَتَوَفّاهُمُ بِفَوْقِيَّتَيْنِ، مِثْلُ نَظِيرِهِ، وقَرَأهُ حَمْزَةُ وخَلَفٌ بِتَحْتِيَّةٍ أُولى كَذَلِكَ. والطَّيِّبُ: بِزِنَةِ فَيْعِلَ، مِثْلُ قَيِّمٍ ومَيِّتٍ، وهو مُبالَغَةٌ في الِاتِّصافِ بِالطِّيبِ، وهو حُسْنُ الرّائِحَةِ، ويُطْلَقُ عَلى مَحاسِنِ الأخْلاقِ وكَمالِ النَّفْسِ عَلى وجْهِ المَجازِ المَشْهُورِ فَتُوصَفُ بِهِ المَحْسُوساتُ كَقَوْلِهِ تَعالى حَلالًا طَيِّبًا والمَعانِي والنَّفْسِيّاتُ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿سَلامٌ عَلَيْكم طِبْتُمْ﴾ [الزمر: ٧٣]، وقَوْلِهِمْ: طِبْتَ نَفْسًا، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿والبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإذْنِ رَبِّهِ﴾ [الأعراف: ٥٨]، وفي الحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلّا طَيِّبًا» أيْ مالًا طَيِّبًا حَلالًا. فَقَوْلُهُ تَعالى هُنا طَيِّبِينَ يَجْمَعُ كُلَّ هَذِهِ المَعانِي، أيْ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ مُنَزَّهِينَ مِنَ الشِّرْكِ مُطْمَئِنِّي النُّفُوسِ، وهَذا مُقابِلُ قَوْلِهِ في أضْدادِهِمُ ﴿الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ﴾ [النحل: ٢٨].
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) قال: أحياء وأمواتا، قدر الله ذلك لهم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وقوله ( يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ) يعني جلّ ثناؤه أن الملائكة تقبض أرواح هؤلاء المتقين، وهي تقول لهم: سلام عليكم صيروا إلى الجنة بشارة من الله تبشرهم بها الملائكة. كما حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: أخبرني أبو صخر، أنه سمع محمد بن كعب القُرَظيّ يقول: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك فقال: السلام عليك وليّ الله، الله يقرأ عليك السلام ، ثم نـزع بهذه الآية ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ)... إلى آخر الآية. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراسانيّ ، عن ابن عباس، قوله فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ قال: الملائكة يأتونه بالسلام من قِبَل الله، وتخبره أنه من أصحاب اليمين.
وجُمْلَةُ ﴿يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ﴾ حالٌ مِنَ المَلائِكَةِ وهي حالُ مُقارَنَةٍ لِـ (تَتَوَفّاهم)، أيْ يَتَوَفَّوْنَهم مُسَلِّمِينَ عَلَيْهِمْ، وهو سَلامُ تَأْنِيسٍ وإكْرامٍ حِينَ مَجِيئِهِمْ لِيَتَوَفَّوْهم،؛ لِأنَّ فِعْلَ (تَتَوَفّاهم) يَبْتَدِئُ مِن وقْتِ حُلُولِ المَلائِكَةِ إلى أنْ تُنْتَزَعَ الأرْواحُ، وهي حِصَّةٌ قَصِيرَةٌ. وقَوْلُهُمُ ﴿ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وهو مُقابِلُ قَوْلِهِمْ لِأضْدادِهِمْ ﴿إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٢٨] ﴿فادْخُلُوا أبْوابَ جَهَنَّمَ﴾ [النحل: ٢٩]. والقَوْلُ في الأمْرِ بِالدُّخُولِ لِلْجَنَّةِ حِينَ التَّوَفِّي كالقَوْلِ في ضِدِّهِ المُتَقَدِّمِ آنِفًا، وهو هُنا نَعِيمُ المُكاشَفَةِ.