وكما قال الشاعر: عاقى ، يريد عائق. قال الفراء: أكثر القراء يجعلونها من قفوت... وبعضهم قال: ولا تقف. والعرب تقول: قفت أثره ، وقفوته ؛ ومثله: يعتام ويعتمي ، وعاث وعثى ، من الفساد ، وهو كثير ، منه شاك السلاح ، وشاكي السلاح. وسمعت بعض قضاعة يقول: اجتحى ماله ، واللغة الفاشية: اجتاح ماله. وقد قال الشاعر: " ولو أني رأيتك "... ولا تقف ما ليس لك به علم | موقع الشيخ يوسف القرضاوي. إلخ البيت. هذا وقد نقلنا في الشاهد الذي قبل هذا عبارة الفراء ، كما جاءت في اللسان ، وفيها اختلال عن عبارته هنا في معاني القرآن ، ولعله من اختلاف النسخ. وأورد الفراء بعد بيت الشاهد بيتا آخر من وزنه وقافيته ، وهو لذي الخرق الطهوي كما في ( اللسان: بغم): حَسِــبْتُ بُغــامَ رَاحِــلَتِي عَنَاقَـا وَمــا هِـيَ وَيْـبَ غَـيرِك بالعَنـاقِ وقد سبق الاستشهاد به في أكثر من موضع من هذا التفسير. (5) البيت لجرير بن الخطفي ( ديوانه طبعة الصاوى ص 551) وهو البيت الثاني من قصيدة يجيب بها الفرزدق ، مطلعها: سَــرتِ الهُمـومُ فَبِتْـنَ غَـيرَ نِيـامِ وأخُــو الهُمـومِ يَـرُومُ كـلَّ مَـرَامِ الشاهد في هذا البيت أنه أشار إلى الأيام بأولئك ، ولم يقل تلك ، لأن أولئك يشار بها إلى الجمع الكثير ، وهؤلاء إلى الجمع القليل ، للمذكر والمؤنث والعاقل وغيره.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلا تَقْفُ) ولا ترمِ. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر. وهذان التأويلان متقاربا المعنى، لأن القول بما لا يعلمه القائل يدخل فيه شهادة الزور، ورمي الناس بالباطل، وادّعاء سماع ما لم يسمعه، ورؤية ما لم يره. وأصل القفو: العضه والبهت، ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بن كِنانَة لا نَقْفُو أمِّنا ولا نَنْتَفِي مِنْ أبِينا " ، وكان بعض البصريين ينشد في ذلك بيتا: وَمِثْـلُ الـدُّمَى شُـمُّ العَـرَانِينِ ساكِنٌ بِهِــنَّ الحَيــاءُ لا يُشِـعْنَ التَّقافِيـا (3) يعني بالتقافي: التقاذف. ويزعم أن معنى قوله (لا تَقْفُ) لا تتبع ما لا تعلم، ولا يعنيك. وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة، يزعم أن أصله القيافة، وهي اتباع الأثر، وإذ كان كما ذكروا وجب أن تكون القراءة (وَلا تَقُفْ) بضم القاف وسكون الفاء، مثل: ولا تقل. قال: والعرب تقول: قفوت أثره، وقُفت أثره، فتقدِّم أحيانا الواو على الفاء وتؤخرها أحيانا بعدها، كما قيل: قاع الجمل الناقة: إذا ركبها وقَعَا وعاثَ وَعَثَى؛ وأنشد سماعا من العرب: ولَــوْ أنّــي رَمَيْتُـكَ مِـنْ قَـرِيبٍ لَعــاقَكَ مِـنْ دُعـاءٍ الـذّئْبِ عـاقِ (4) يعني عائق، ونظائر هذا كثيرة في كلام العرب.
الكرابيسي، أحد أئمة الشافعية الكبار، خالف الإمام أحمد في مسألة خلق اللفظ، فشغب عليه العامة من الناس آنذاك، وشوهوا سمعته، وأهانوه، بل ومنعوه من السير في جنازة الإمام أحمد، واضطروه إلى لزوم بيته بعد ذلك حتى وافاه الأجل! إن ما نعايشه الآن، وخاصة في منتديات التواصل الاجتماعي، من شغب على بعض المثقفين، وتشويه لسمعتهم، ورمي لهم بالباطل، لم يكن نتيجة بحث وتحر وتقليب في إنتاجهم الفكري، وعرضه من ثم على محكمات الكتاب والسنة، وإنما لأن الشيخ الفلاني قال فيهم كذا وكذا؛ أو لأنهم قالوا، في كتبهم أو مقالاتهم كذا وكذا، دون أن يفهموا ما قالوه؛ أو دون أن يتفهوا دوافع ما قالوه، إن كانوا فهموه! ولا خلاص من هذه الأزمة التي لا تنشد تربية جيل يقوم بمهمة بناء وطن معتمد على نفسه وموارده، إلا بإيراد العقل مورده الرباني؛ وذلك بأن يكون الفرد مسؤولا عن نفسه وعن تفكيره، تناغما واتفاقا مع قوله تعالى:" وكلهم آتيه يوم القيامة فردا"؛ وقوله تعالى: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه"؛ ونظائرها كثير. ولا تقف ما ليس لك به علمی. أي بني، اجعل لك من عقلك هاديا ودليلا، فهذا العقل الذي وهبك الله إياه هو، كما يقول الفيلسوف الإغريقي: أرسطو، أعدل قسمة بين البشر؛ وإنك حين تتخلى عنه لفلان أو علان، فإنك حينها تتخلى عن الميزة الإنسانية الأولى التي تفرقك عن مخلوقات الله الأخرى!
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) فقال بعضهم: معناه: ولا تقل ما ليس لك به علم. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) يقول: لا تقل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع، فإن الله تبارك وتعالى سائلك عن ذلك كله. حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) قال: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم. حُدثت عن محمد بن ربيعة، عن إسماعيل الأزرق، عن أبى عمر البزار، عن ابن الحنفية قال: شهادة الزور. ولا تقف ما ليس لك به قع. وقال آخرون: بل معناه: ولا ترم. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) يقول: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم.