﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء﴾: الواو استئنافية، والجملة بعدها مستأنفة لا محل لها من الإعراب، و﴿لن﴾ حرف نفي ونصب واستقبال، وتستطيعوا مضارع منصوب بلن، وعلامة نصبه حذف النون، والمصدر المؤول من ﴿أن تعدلوا﴾ مفعول به لتستطيعوا، و﴿بين النساء﴾ ظرف متعلق بتعدلوا. فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. ﴿ولو حرصتم﴾: الواو حالية، و﴿لو﴾ شرطية، وحرصتم فعل وفاعل. ﴿فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة﴾: الفاء الفصيحة، أي: إذا عرفتم ذلك فلا تميلوا، والجملة لا محل لها من الإعراب، و﴿لا﴾ ناهية، وتميلوا مضارع مجزوم بلا، و﴿كل الميل﴾ نائب عن المفعول المطلق، ﴿فتذروها﴾ الفاء هي السببية، تذروها فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية، لأنها وقعت في جواب النهي، وأن وما بعدها في تأويل مصدر معطوف على مصدر مفهوم من الكلام السابق أي: لا يكن منكم ميل فترك. أو الفاء عاطفة، وتذروها عطف على تميلوا، و﴿كالمعلقة﴾ الكاف اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل نصب حال من مفعول ﴿تذروها﴾، و﴿المعلقة﴾ مضاف إليه. ﴿وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما﴾: الواو عاطفة، أو الواو استئنافية والجملة بعدها مستأنفة لا محل لها من الإعراب، و﴿إن﴾ شرطية، وتصلحوا فعل الشرط، وتتقوا عطف عليه، وجواب الشرط محذوف للعلم به، أي: فالصلح والاتقاء خير، والفاء تعليلية، وإن حرف ناسخ، ولفظ الجلالة اسمها، وجملة كان وخبراها في محل رفع خبر إن.
{ وَإِنْ تُصْلِحُوا} ما بينكم وبين زوجاتكم، بإجبار أنفسكم على فعل ما لا تهواه النفس ، احتسابا وقياما بحق الزوجة، وتصلحوا أيضا فيما بينكم وبين الناس، وتصلحوا أيضا بين الناس فيما تنازعوا فيه، وهذا يستلزم الحث على كل طريق يوصل إلى الصلح مطلقا كما تقدم. { وَتَتَّقُوا} الله بفعل المأمور وترك المحظور، والصبر على المقدور. { فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} يغفر ما صدر منكم من الذنوب والتقصير في الحق الواجب، ويرحمكم كما عطفتم على أزواجكم ورحمتموهن. ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم. أبو الهيثم 1 16, 371
لفظ أبي داود ، وهذا إسناد صحيح ، لكن قال الترمذي: رواه حماد بن زيد وغير واحد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة مرسلا قال: وهذا أصح. وقوله ( فلا تميلوا كل الميل) أي: فإذا ملتم إلى واحدة منهم فلا تبالغوا في الميل بالكلية ( فتذروها كالمعلقة) أي: فتبقى هذه الأخرى معلقة. قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي ، ومقاتل بن حيان: معناه لا ذات زوج ولا مطلقة. وقد قال أبو داود الطيالسي: أنبأنا همام ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما ، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط ". وهكذا رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من حديث همام بن يحيى ، عن قتادة ، به. وقال الترمذي: إنما أسنده همام ، ورواه عن قتادة - قال: " كان يقال ". ما معنى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ}؟. ولا نعرف هذا الحديث مرفوعا إلا من حديث همام. وقوله: ( وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما) أي: وإن أصلحتم في أموركم ، وقسمتم بالعدل فيما تملكون ، واتقيتم الله في جميع الأحوال ، غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض.
٩٩ - باب العَدْلِ بَيْن النِّسَاءِ {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: ١٢٩ - ١٣٠] الشرح: هذِه الآية نزلت في عائشة - رضي الله عنها -، ذكره ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن ابن أبي مليكة. وقال عبيدة: هو الحب والجماع (١). ومعنى الآية: ولن تطيقوا أيها الرجال أن تسووا بين نسائكم في حبهن بقلوبكم، حتى تعدلوا بينهن في ذلك؛ لأن ذلك مما لا تملكونه، ولو حرصتم في تسويتكم بينهن في ذلك. قال ابن عباس: لا تستطيع أن تعدل بالشهوة فيما بينهن ولو حرصت (٢). قال ابن المنذر: ودلت هذِه الآية أن التسوية بينهن في المحبة غير واجبة. ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين المساء. وقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عائشة أحب إليه من غيرها من أزواجه، فلا تميلوا كل الميل بأهوائكم حتى يحملكم ذلك أن تجوروا في القسم على الذين لا تحبون. وقوله: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} يعني: لا أيم، ولا ذات بعل (٣) {وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ١٢٩] يقول: وإن تصلحوا فيما بينكم وبينهن بالاجتهاد منكم في العدل بينهن وتتقوا (١) "المصنف" ٣/ ٥١١ (١٦٦٧٨ - ١٦٦٧٩). (٢) "تفسير الطبري" ٤/ ٣١٢، ٣١٣.
والله ولي التوفيق. المصدر: مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(21/242- 243)