قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " كأن المصنف أراد أن يبين أن تحادُرَ المطر على لحيته صلى الله عليه وسلم لم يكن اتفاقا ، وإنما كان قصدا ، فلذلك ترجم بقوله: " من تمطَّر "، أي: قصد نزول المطر عليه ؛ لأنه لو لم يكن باختياره لنزل عن المنبر أول ما وكف السقف ، لكنه تمادى في خطبته حتى كثر نزوله بحيث تحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم " انتهى من " فتح الباري " (2/520). ومن هنا كان كثير من السلف الصالح يستحبون التبرك بالمطر النازل من السماء ، ويستَنُّون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى عقد ابن أبي شيبة في " المصنف " (6/194-195) بابا بعنوان: " من كان يتمطر في أول مطرة " ، أي: يتعرض للمطر ويغتسل به. وروى فيه بسنده عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه: " كان يتمطر في أول مطرة ". وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه: " كان يُخرج ثيابه حتى يخرج سرجه في أول مطرة ". وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه: " كان إذا أراد المطر خلع ثيابه وجلس ، ويقول: حديث عهد بالعرش " وهكذا عقد الإمام البخاري رحمه الله في كتابه " الأدب المفرد " (ص/200) بابا بعنوان: " من استمطر في أول المطر ". حديث عهد بربه | صحيفة أصداء الخليج. وكذلك فعل ابن حبان حيث عقد في " الصحيح " (13/505) بابا بعنوان: " ذكر ما يستحب للمرء الاستمطار في أول مطر يجيء في السنة ".
وهذه السنّة ثابتة في الصحيح، وعليه فيقوم الإِنسان ويخرج شيئاً من بدنه إما من ساقه، أو من ذراعه، أو من رأسه حتى يصيبه المطر اتباعاً لسنّة النبي صلّى الله عليه وسلّم. الشرح الممتع لابن عثيمين. وقال الشيخ عبد الله بن جبرين السؤال: ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه حديث عهد بربه ؟ ومتى يقولها ؟ الاجابـة: لما نزل المطر مرة خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المنزل وكشف عن رأسه ليُصيبه المطر وأخذ يمسح رأسه بما أصابه ويقول: "إنه حديث عهد بربه" يعني أن هذا المطر حديث عهد بالله، فالله هو الذي أنزله من السماء وهو الذي خلقه وسخره، وهو الذي أمر بإنزاله، فيقول هذه الكلمة إذا خرج إلى المطر وأصابه فابتل رأسه وابتلت ثيابه رجاء بركته. هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الأمطار. والله أعلم. قال العلامة عبد المحسن العباد البدر ((... "إنَّه حديثُ عهدٍ بربِّه"؛ يعني: هذا هو السبب الذي جعله يحسر عن رأسِه. ومعلوم أن المطر إنَّما يأتي من السَّحاب المسخَّر بين السَّماءِ والأرض، وهو لا يأتي من السماوات المَبنيَّة؛ وإنَّما: الله -عزَّ وجلَّ- يُرسل الرِّياحَ فتُثير سحابًا فيبسطُه بين السماء والأرض، ثم يُنزِله حيث يشاء، وينفع به مَن يشاء من عبادِه، فهو يَنزِل من السحاب المسخَّر بين السَّماء والأرض.
هديُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عندَ نُزولِ الأمطارِ أما بعد: فيا أيها الناسُ اتقوا الله تعالى بفعلِ أوامرهِ واجتنابِ مناهيهِ، وتَحبَّبُوا إليهِ بذكرِ آلائهِ وأياديهِ، وتأمَّلُوا نعْمَتَهُ بهذا الغيثِ الذي تابَعَهُ عليكُم فأحيا الأرضَ بعدَ موتِها ( كَذَلِكَ النُّشُورُ). إن الذي نشَرَ هذهِ الرحمةَ لكُم هو ربُّكُمُ الكَريمُ، وإن الذي بَسَطَ هذا الخيرَ هو الجَوَادُ الرَّحيمُ، وإن الذي أحيا الأرضَ بعد موتِها هو الْمُقْتدرُ العظيمُ، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فصلت: 39]، واهتَدُوا بهدي نبيِّكُم صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عند نُزولِ الأمطارِ.
وقالت أيضاً برئاسته رحمه الله: ( الذين يُسارعون إلى الجمع لمجرَّدِ وُجود غيمٍ أو مطَرٍ خفيفٍ لا يحصل منه مشقة، أو لحصول مطَرٍ سابق لم يَنتج عنه وَحَلٌ في الطُّرُق، فإنهم قد أخطؤوا خطأً كبيراً، ولا تصحُّ منهم الصلاة التي جَمَعُوها إلى ما قبلها، لأنهم جَمَعُوا من غيرِ عذرٍ، وصَلَّوا الصلاة قبل دخول وقتها) انتهى.
الحمد لله.