نحمدُ الله أنْ منَّ علينا بعمرٍ جديد وفرصةٍ أخرى نحيا فيها أجواء شهره الكريم، فنصومَ أيامه ونقومَ لياليه، ونعيشَ أجواءَه الروحانية التي تميزهُ عن كل أشهرِ السنة، وعلى الرغم من أنه يأتي مختلفاً هذا العام، إذ تزامن قدومه مع الوباء، إلا أنَّ ذلك لمْ يفقده رهبته وأجواءه العبادية الخاصة، بل على النقيض؛ أتى على البشرية وهم يستشعرون روحانيةً عاليةً وتقرباً خالصاً للباري عز وجل بسبب الجائحة. باتَ الناسُ أكثرَ تقرباً من بعضهم البعض، بغض النظرِ عن التباعدِ الجسدي، وأصبحوا يتقصونَ أحوالَ بعضهم، صاروا يشعرون أكثر بحاجات الفقراء ومنْ فقدَ مصدرَ رزقه بسبب الوباء، باتوا يتواصلون أكثرَ عن طريق وسائلِ الاتصالِ المتعددة، تطوعوا لخدمة الناس وحمايتهم من العدوى؛ فانتشروا لتقديمِ الدعمِ في كل مكان. أغلبُنا تغير؛ فمنْ لمْ تغيَّرهُ الجائحة فقد يغيره الصيامُ والدعاءُ في شهر الله "من تساوى يوماه فهو مغبون". حتى يغيروا ما بأنفسهم - جريدة الوطن السعودية. هذه إذاً فرصةٌ ثانية قد تكونُ الأخيرةَ لندعوا الله بفنونِ الدعوات ونخلصَ له في العبادة ونبتهلَ بصدقٍ كي يُنجينا من الوباء ويرفعَ عنا البلاء؛ فكيف يكون ما بعد الجائحةِ كما قبله، وما قبل رمضانَ كما بعده. "إنَّ اللهَ لا يغيرُ ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسِهم"، فلنغيِّرْ ما بأنفسنا، ولننظرْ في سلوكاتِنا مع اللهِ والناس، لننبذ الخلاف والفرقة، ولنتوقف عن تسفيهِ الآخرينَ وتمجيدِ ذواتنا، لننشغلَ بتقويمِ أنفسِنا عن مراقبةِ البشر، لنتصف بالكريمِ من الخُلق، ولنكنْ مثالاً يُحتذى للمسلمِ الحق الذي يريده اللهُ ورسوله.
لهذا صدمني وآلمني أن يشير كتاب جادون محترمون إلى أوباما في مقالات هازئة بلقب "أبو سمرة". وهي تسمية (لكون العرب سمرا في غالبيتهم) يقصد بها الأشد سمرة من نوع الأفارقة. ووصف "أبو سمرة" تحديدا سبق أن اضطرني لزجر زميل نائب (ممن توصلهم الحكومات ويلصقون بالمقاعد) حين تفوه بها بصوت عال في التندر على نائب أفريقي داخل قاعة مؤتمر. ولا أريد هنا ذكر الحيثيات الأكثر إحراجا للأردن، والتي ألزمتني بذلك الزجر الصريح. انتخابيا, نجح أوباما على الأقل في اقتسام أصوات اللوبي الصهيوني في أميركا مع ماكين، وبقيت سياساته الأصلية كما هي، وهذه حددها بداية بحساب الربح والخسارة حين قال إنه مستعد للتحاور مع إيران وحتى مع بن لادن, وإن كانت الأخيرة أوردت بخفة, فإن في مزاح السياسة جدا أكبر. حتي يغيروا ما بأنفسهم لجودت سعيد. وقوله هذا أثار غضب اللوبي الصهيوني وجزء من عامة الأميركان، كما أثارت تصريحاته بشأن إسرائيل غضب العرب. ولكننا إن أخذنا معياره السياسي ذاك, وطبقناه على خريطة زيارته للمنطقة, من زار ومن لو يزر وبأي تسلسل, فإن القادم غير المعلن يعكس نفسه بصورة أوضح. بداية زار أفغانستان المنسية في أميركا كمعظم أنحاء العالم، ولولا إلحاح بعض العرب وأحيانا باكستان ضمن أزمات رئيسها الغاصب للسلطة لما ذكرت إلا نادرا في نشرات الأخبار.
تاريخ النشر: 05 نوفمبر 2014 8:59 GMT نريد أن نصلح خدمات الحيّ الذي نسكنه ومؤسسات الدولة التي ننتمي إليها ومنظمات الكون الذي نعيش فيه. كلنا منشغلون بإصلاح هذا العالم الكبير، إلى درجة أننا منشغلون بهذا الهم عن إصلاح عالمنا الصغير.. أنفسنا! زياد الدريس كلنا نتوق بشغف إلى تعديل الأوضاع «المائلة» للبيت الذي بجوارنا. كلنا نسعى جاهدين لإصلاح أحوال إخواننا وجيراننا وأقاربنا وزملائنا في العمل، بل وحتى المشاة في الشوارع نودّ لو نستوقفهم لنقول لهم عن العيب الذي رأيناه فيهم. لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. نريد أن نصلح خدمات الحيّ الذي نسكنه ومؤسسات الدولة التي ننتمي إليها ومنظمات الكون الذي نعيش فيه. كلنا منشغلون بإصلاح هذا العالم الكبير، إلى درجة أننا منشغلون بهذا الهم عن إصلاح عالمنا الصغير.. أنفسنا! نقرأ الآية الكريمة: «إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم»، لكننا نفهمها هكذا: حتى يغيّروا ما بغيرهم! نقرأ المقالات المؤثرة ونسمع الخطب الرنانة لأولئك الذين يتطلعون إلى نهضة الأمة من كبوتها وإصلاح فسادها، لكن لا تفتش عن السلوكيات الشخصية للكاتب أو المتحدث، إذ لن تجد فيها ما يشي بأنه إنسان نهضوي/ إصلاحي حقيقي. أيها النهضوي/ الإصلاحي: كيف تريد من الأمة/ الدولة أن تقيم مبادئ العدل والمساواة وأنت لا تقيمها في بيتك وعملك، ولا تربي أبناءك عليها؟ كيف تريد من الأمة/ الدولة أن تكون صادقة معك ولا تغشك بقراراتها الملتوية ثم تبيح لنفسك أنت أن تغش من استطعت في بيع أو شراء.. وتسمي ذلك شطارة؟!
وبتأمل أحوال النفوس وتقلباتها وعواقبها نلاحظ أنها على ثلاث أحوال: أ- فهناك من تغيرت أنفسهم من الفساد إلى الصلاح، فاستقام حالهم وكانت لهم العاقبة الحسنة. حتى يغيروا ما بأنفسهم by جودت سعيد. ب- وهناك من تغيرت نفوسهم من الصلاح إلى الفساد، فجحدوا نعم الله وكفروا به فكان لهم المصير الأسوء في الدنيا والآخرة. ت- وهناك نفوس أصرت على فسادها ورفضت دعوة الأنبياء وتنكبت الصراط المستقيم، فكان عاقبة أمرها خسرا. فصلاح الحال والمآل منوط بصلاح نفوس الأفراد والمجتمعات، فكيف يتحقق ذلك؟ يمكن أن نحددها في الخطوات المنهجية التالية: 1- الأمر بالقراءة وطلب العلم: فمن حكمة الله أنه لما أراد أن يغير ما بنفوس العرب من فساد، عاجلهم بالأمر بالقراءة التي هي سبيل العلم وتحرير الوعي ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق-01) ولا يوجد أنفع منهما في تزكية النفوس وتعديل الطباع وترقية المشاعر وتنقيح الأفكار وتنميتها. 2- الفهم الصحيح للوجود والمصير: أي معرفة الإنسان للهدف من وجوده ومسؤوليته في الحياة ومصيره بعد الممات، فالهدف من الوجود: هو عبادة الله وعمارة الأرض بالعدل والصلاح، والمصير بعد الموت: هو الحساب والجزاء على السيئات والحسنات وما يتبعه من نعيم أو عذاب أليم.
فالواجب الحذر، وعلى المؤمن أن يتقي الله، ويسعى في الحق وأن يستقيم عليه، وألا يحيد عنه إلى الباطل؛ فإنه متى حار عنه إلى الباطل، فقد تعرض لغضب الله؛ أن يغير قلبه، وأن يغير ما به من نعمة إلى ضدها من جدب وقحط وفقر وحاجة وغير ذلك، وهكذا بعد الصحة إلى المرض، وهكذا بعد الأمن إلى الخوف إلى غير ذلك؛ بأسباب الذنوب والمعاصي. وهكذا العكس؛ إذا كانوا في معاصٍ وشرور وانحراف، ثم توجهوا إلى الحق، وتابوا إلى الله ورجعوا إليه واستقاموا على دينه، فإن الله يغير ما بهم سبحانه من الخوف والفقر والاختلاف والتشاحن، إلى أمن وعافية واستقامة، إلى رخاء وإلى محبة وإلى تعاون وإلى تقارب؛ فضلًا منه سبحانه ومن هذا قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال:53]. حتى يغيروا ما بأنفسهم pdf. فالعبد عنده أسباب وعنده عمل، وعنده إرادة وعنده مشيئة، ولكنه بذلك لا يخرج عن قدر الله ومشيئته. فالواجب عليه أن يستعمل ما استطاع في طاعة الله ورسوله، وأن يستقيم على ما أمره الله به، وأن يحذر ما نهى الله عنه ورسوله عليه الصلاة والسلام وأن يسأل ربه العون والتوفيق، والله سبحانه هو المتفضل وهو الموفق، وهو الهادي جل وعلا وله الفضل وله النعمة، وله الإحسان بيده الفضل وبيده توفيق العباد، وبه هدايتهم وبيده إضلالهم، يهدي من يشاء ويضل من يشاء سبحانه.
ومن الدلالات أيضا أن الأخطاء الفردية ربما تقود إلى دمار القوم والمجتمع إن انتشرت واستهين بها، أي حين تنتشر وتصبح ظاهرة، ولا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يأبه الناس بها. فهنا قد تكون هذه مجلبة لسخط الله وعذابه، فالقوم هنا جاهروا بمعصيتهم وعداوتهم لله، ومن له حيلة بحرب الله؟! إنها مسؤولية الجميع؛ مسؤولين ومنظمات مجتمع مدني وعلماء ومفكرين ومؤسسات، فسنن الله لا تتبدل ولا تتخلف ولا تحابي أحدا. ولا ينفع أن نقول إننا مسلمون، بل لا بد أن يوافق القولُ الحالَ؛ لا بد أن يكون باطننا كظاهرنا، أن نقيم شرع الله ونعبده كما أمر ولا نشرك به شيئا، هو خالقنا ورازقنا، وهو الذي بين لماذا خلقنا: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" (الذاريات، الآيات 56-58)؛ فهو غني عنا وعن عبادتنا، لكنها حكمته سبحانه أن يبتلينا بعبادته وحده، والثقة به وحده، ومن ثم الفوز بجنته والنجاة من عذابه، في حياة دائمة خالدة. "حتى يغيروا ما بأنفسهم" - جريدة الغد. تختلط صورة البناء السليم على بعض الناس. والحقيقة أنها صورة المجتمع الموحِّد المنطلق في هذه الأرض بثقة من أجل سعادة الإنسان، حضارة وتقدما وحرية وكرامة.