أنا آسف الكبار لا يترددون أبداً في تقديم عبارة الأسف "أنا آسف" إذا ما بدر منهم ما يستحقها ، ولا فرق عندهم لمن تُقدم العبارة ، لرجل أو امرأة ، صغير أو كبير ، فالأسف عند الكبار لا يقتصر على الكبراء أو علية القوم أو الوجهاء وأصحاب المراكز المرموقة. وكلمة "أنا آسف" لا يعتبرها الكبار نقيصة يتهربون منها ، أو عيب يستحيون منه ، بل هو خلق يتقربون به إلى الله ، وسلوك إيجابي يتحلون به ويُزينون به أخلاقهم. الاعتذار من شيم الكبار - شبكة قحطان - مجالس قحطان - منتديات قحطان. وكلمة "أنا آسف" تخرج من قلوب الكبار قبل أن ينطق بها لسانهم ، فيُزيلون غضباً عارماً في النفوس ، ويُداوون بها قلباً مكلوماً ، أو يجبرون خاطراً مكسوراً ، كم من المشاكل والخلافات التي تقع ويكفي لاتقائها مجرد اعتذار بدلاً من تقديم الأعذار والمبررات التي يحاول بها الصغار والضعفاء تبرير أخطائهم ،فتتفاقم المشكلة ، ويزداد الجرح إيلاماً. سياسة التبرير البعض من صغار النفوس ، بدلاً من السعي لتصحيح أوضاعهم ومراجعة أنفسهم ، وإصلاح ما أفسدته تصرفاتهم ، فإنهم يحاولون تبرير أخطائهم ، وتقديم الأعذار التي يحاولون من خلالها التملص من تحمل المسئولية ، أو تجميل الصورة والظهور بالمظهر اللائق أمام الناس. إن السبب الرئيسي لسياسة التبرير التي ينتهجها البعض هي المبالغة الشديدة في احترام الذات وتقديسها للدرجة التي توصله إلى المكابرة وعدم الاعتراف بخطئه ، ظناً منه أنه باعترافه بخطئه يُهين نفسه ، ويقلل من مكانتها ،فيلجأ للحيل الدفاعية التي يحاول من خلالها إبعاد النقص عن نفسه.
د. يوسف الحسن الاعتذار.. قيمة إنسانية وأخلاقية، وسلوك حضاري، يعبر عن اعتراف بالخطأ والندم، جراء فعل مسيء سبب أوجاعاً أو أراق دماء، أو عدواناً غير مبرر، أو أقوال شائنة ومسيئة لحقت بالآخرين. الإعتذار من شيم الكبار.. وأصالة كبيرة برسالتها العلنية لأنغام. يعكس الاعتذار خلقاً إنسانياً سامياً، وقوة وشجاعة، وضميراً حياً وحساً مسؤولاً، وليس تعبيراً عن ضعف أو فشل. ويتوجب أن يكون الاعتذار صريحاً وصادقاً، وأن يتحمل صاحبه أو الجهة التي تقدمه، المسؤولية عن الأفعال المسيئة التي ارتكبت، وهي أفعال لا تسقط بالتقادم، وقد قيل إن الأمم المتحدة أقرَّت يوماً عالمياً للاعتذار، باعتبار أنه ثقافة حضارية تبقي البشر والمجتمعات على تواصل وتفاعل وعلاقات طيبة. ومن أهم نماذج الاعتذار، الاعتذار السياسي في العلاقات الدولية، وهو سلوك رفيع المستوى يُرسخ السلم الأهلي، ويعزز الثقة المتبادلة والسلام بين الدول، ويُسهِّل الحوار والتواصل على قاعدة النوايا الطيبة والمصالح المشتركة، بعيداً عن الثأر والكراهية، والعنف والأحقاد المستدامة. تميزت بعض الثقافات السياسية باستعدادها للاعتذار كأسلوب أخلاقي جماعي، وتعبير عن شجاعة أدبية، إلا أن غالبيتها لا تُقدم على الاعتذار إلا إثر ضغوط قوية، سياسية أو نفسية أو رأي عام صاحب «نَفْس لوَّامة» تحركه باتجاه الاعتذار عن الشر، والإقدام على الخير.
هناك اعتذارات جاءت متأخرة، من بينها اعتراف الرئيس الأمريكي بايدن بالفظائع التي ارتكبت بحق السكان الأصليين من الهنود الحمر في أمريكا الشمالية، وقد جاء هذا الاعتذار الخالي من الإنصاف في ذكرى يوم المستكشف كريستوفر كولمبس، الذي يعد عيداً وطنياً أمريكياً، وقال الرئيس عنه: «إن هذا الاستكشاف، أدّى إلى موجة من الدمار للسكان الأصليين». وطالب الأمريكيين «بعدم دفن الأجزاء المخزية من تاريخ أمريكا»، وأصدر قراراً باعتبار يوم الحادي عشر من أكتوبر من كل عام، يوم ذكرى للسكان الهنود الحمر، بالتوازي مع ذكرى «يوم كولمبس». بيت القيم - الاعتذار من شيم الكبار. كما أزالت جامعة هارفارد قبل سنوات شعاراً لعائلة تاجر رقيق ثري كان جزءاً من شعار كلية الحقوق في الجامعة. واعترفت الجامعة بأن العبودية كانت من جوانب ماضيها وغيرها من المؤسسات الأمريكية المتواطئة بشكل مباشر في نظام العبودية العرقية في أمريكا. وهناك تاريخ مشين لعدد من «البارونات اللصوص»، وفق وصف أطلقه ذات يوم الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت على أثرياء كبار بدأوا شبابهم كلصوص وقاطعي طرق، وبنوا ثروات طائلة، وفي نهاية العمر، صاروا يتشبهون ببارونات أوروبا، فشيدوا أو دعموا مؤسسات علمية وخيرية مماثلة لما شيَّده أمراء إقطاع أوروبي مستنيرين، تدعم البحوث والفنون، وبدوا أتقياء وحتى متدينين، وكأنهم ينشدون الغفران والصفح والاعتذار.
الاعتذار سمة من سمات الإنسان النبيل وهو رسالة تجسد الكثير من تحمل المسئولية تجاه الآخرين.. هو ليس ضعفاً أو إذلالاً بل قوة تنزع الحقد والضغينة من الإنسان وتُبقي حبل التواصل مستمراً.
ومع أن ارتكاب الأخطاء أمرٌ مُشينٌ ويَعيب مرتكبيها، إلا أن الاعتراف به وعدم المجادلة بالباطل قد يمحو آثار هذا الخطأ، ويُكسب صاحبه تعاطفَ الآخرين ووقوفهم بجانبه. إن أخطر ما في سياسة التبرير التي ينتهجها البعض هي أن تنتقل عدوى التبرير إلى من حولنا؛ فالأب الذي لا يعتذر لأولاده مثلاً عن عدم وفائه لهم بوعدٍ وعده لهم إنما ذلك درسٌ عملي لهم أن ينتهجوا نفس النهج، ويسلكوا نفس السلوك، وقِس على هذا كل المسئولين مع مرءوسيهم. إننا نُصاب بالصدمة الكبرى عندما نرى إنسانًا يتولَّى إمارةً أو مسئوليةً أو أمرًا قياديًّا ولا حديث له إلا عن الإنجازات والعطاءات والمشروعات الناجحة والعملاقة، صفحاته كلها بيضاءُ ناصعةٌ لا خطأَ فيها، إنها صفحاتٌ تُشبه صفحات الملائكة المعصومين والأنبياء المرسلين التي لا مكان فيها للخطأ أو النقصان، أو حتى السهو أو النسيان.. ولا حول ولا قوة إلا بالله. ألا فليعلمْ الجميع أن الاعتراف بالخطأ أطيبُ للقلب وأدعى للعفو، ومعلومٌ أن توبة الصحابي الجليل كعب بن مالك لم يُنقذه إلا صدقه وصراحته. قبول الأعذار ومع اتصاف الكبار بهذا الخلق العظيم وهذا السلوك الإيجابي من تقديم الاعتذار والاعتراف بالخطأ متى بدر منهم، فهم كذلك يبادرون لقبول الأعذار من المخطئين في حقهم، فلا تعاليَ ولا بطرَ ولا أشرَ، بل مسامحةٌ وعفوٌ وطيبُ خاطرٍ، وهم بذلك يقدِّمون درسًا عمليًّا للناس؛ فقبول الاعتذار بهذه الصورة يحضُّ الناس على الاعتذار متى أخطئوا؛ لأن الإصرار على الملامة والعتاب وتسجيل المواقف لإحراج المعتذرين يجعلهم يُصرِّون على الخطأ ويأبون الاعتراف به.
ثقافة الاعتذار الكبار يفهمون الاعتذار فهماً راقياً ، فلا ضير من الاعتذار للزوجة إذا أخطأوا في حقها، ولا مانع من الاعتذار لمرؤوسيهم إذا قصروا في أداء الواجبات المنوطة بهم ، ولا ينقص من قدرهم إذا اعتذروا ولو كانوا في مراكز قيادية. على العكس تماماً من صغار النفوس ، والعامة من الناس الذين دأبوا على التهرب من الاعتذار عن أخطائهم التي ارتكبوها ، فالزوج تأخذه العزة بالإثم من الاعتذار لزوجته خوفاً من أن يُنقص ذلك من رجولته ، والمدير لا يعتذر لموظفيه خشية أن يعتبرونه ذو شخصية ضعيفة ، والمدرس لا يعتذر لتلاميذه إذا أخطأ معهم خوفاً من الاتصاف بعدم التمكن من مادته. لقد اقتصر الاعتذار بين العامة في الأشياء العابرة الخفيفة مثل الاصطدام الخفيف أثناء المشي ، أما في المواقف الجادة والحقيقية والتي تحتاج الاعتذار حتى تستمر عجلة الحياة ، ويستقر التعامل بين الأقران نرى التجاهل وعدم المبالاة، والواقع يؤكد ما نقول. الاعتذار ليس ضعفاً الكبار يرون في الاعتذار مصدراً لزيادة الثقة بينهم وبين مخاطبيهم ، ومجالاً خصباً لبناء علاقات اجتماعية قوية ، لا تتأثر بالنوازل أو الخلافات. فالكبار يعتبرون الاعتذار إحدى وسائل الاتصال الاجتماعية مع الآخرين ، بل ومهارة من مهارات الحوار معهم ، فالاعتذار يجعل الحوار متواصلاً ومرناً وسهلاً ، إذ أن ذلك سيرفع من قلب مُحدثك الندية الصلبة في النقاش أو الجدل العقيم في الحوار ، فالاعتذار يعني الاعتراف بالخطأ والندم على فعله ، والاستعداد الكامل لتحمل تبعاته ، وهو ما يعني إكسابك القوة في نظر المتعاملين معك ، وهذا ما يدفع مُحدثك للتعجب وقد يصارحك بأنك شخص "قوي وجريء" ويُجبره اعتذارك على احترامك بل ومساعدتك في تصحيح الخطأ إذا لزم الأمر.