وقد يتوهم البعض أن الإنسان قد حقق أعظم إنجاز علمي وعملي بالصعود إلى القمر، وأنه تمكن بفضل مخترعاته وأجهزته من أن يسير فوق سطح القمر، وأن يحضر معه في عودته عينات من صخوره وترابه لتحليلها والتعرف إلى عناصرها. ويقرر العلم الحديث في هذه القضية أن القمر الذي وصل إليه الإنسان بقوة صواريخه إنما هو جرم صغير تابع للأرض، وكأنما هو ضاحية قريبة من ضواحيها، إذ لا يبعد عنها بأكثر من 240000 كيلومتر فأين هذا البعد من أقطار السماوات التي يبلغ بعد القريب منها عن الأرض ألف سنة ضوئية، مع العلم بأن الضوء يسير بسرعة 300000 كيلومتر في الثانية، فكم من الكيلومترات يقطع الضوء في الدقيقة، ثم في الساعة ثم في اليوم ثم في الشهر ثم في السنة؟.. إنه يقطع في السنة مسافات لا تقدر بأرقامنا الحسابية، وإنما هي أرقام فلكية خيالية! إن تحدى الخالق عز وجل لمخلوقاته في الاختراق قد جاء باتجاهين: اتجاه أقطار السموات، واتجاه أقطار الأرض. والسموات جاءت في الآية بصيغة الجمع وتلك إشارة علمية دقيقة إلى وجود عدة أكوان سماوية في هذا الكون الواسع الأطراف كما اتضح لاكتشافات الفضاء حديثا. وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون - YouTube. أما الأرض فقد جاءت بصيغة المفرد وهي إشارة واضحة إلى أن الأرض فريدة في تركيبها وصفاتها من بين جميع الكواكب الأخرى.
وأضاف الآيات إلى السماء لأنها مجعولة فيها، وقد أضاف الآيات إلى نفسه في مواضع، لأنه الفاعل لها. بين أن المشركين غفلوا عن النظر في السموات وآياتها، من ليلها ونهارها، وشمسها وقمرها، وأفلاكها ورياحها وسحابها، وما فيها من قدرة الله تعالى، إذ لو نظروا واعتبروا لعلموا أن لها صانعا قادرا فيستحيل أن يكون له شريك. قوله تعالى {وهو الذي خلق الليل والنهار} ذكرهم نعمة أخرى: جعل لهم الليل ليسكنوا فيه، والنهار ليتصرفوا فيه لمعايشهم {والشمس والقمر} أي وجعل الشمس آية النهار، والقمر آية الليل؛ لتعلم الشهور والسنون والحساب، كما تقدم في {سبحان} بيانه. {كل} يعني من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار {في فلك يسبحون} أي يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء. قال الله تعالى وهو أصدق القائلين {والسابحات سبحا} ويقال للفرس الذي يمد يده في الجري سابح. وفيه من النحو أنه لم يقل: يسبحن ولا تسبح؛ فمذهب سيبويه: أنه لما أخبر عنهن بفعل من يعقل وجعلهن في الطاعة بمنزلة من يعقل، أخبر عنهن بفعل من يعقل وجعلهن في الطاعة بمنزلة من يعقل، أخبر عنهن بالواو والنون ونحوه قال الفراء. وقد تقدم هذا المعنى في [يوسف]. وقال الكسائي: إنما قال {يسبحون} لأنه رأس آية، كما قال الله تعالى {نحن جميع منتصر}[القمر: 44] ولم يقل منتصرون.
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثني جرير، عن قابوس بن أبي ظَبيان، عن أبيه، عن ابن عباس: ﴿كُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ قال: فلك السماء. وقال آخرون: بل الفلك الذي ذكره الله في هذا الموضع سرعة جري الشمس والقمر والنجوم وغيرها. ⁕ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ﴿كُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ الفلك: الجري والسرعة. وقال آخرون: الفلك موج مكفوف تجري الشمس والقمر والنجوم فيه. وقال آخرون: بل هو القطب الذي تدور به النجوم، واستشهد قائل هذا القول لقوله هذا بقول الراجز: باتَتْ تُناجِي الفَلَكَ الدَّوَّارَا... حتى الصَّباحِ تعمَل الأقْتارَا [[البيت شاهد على أن الفلك هو القطب الذي تدور به النجوم. وقال في (اللسان: فلك): الفلك: مدار النجوم، والجمع: أفلاك. وفي حديث ابن مسعود: أن رجلا أتى رجلا وهو جالس عنده فقال: " إني تركت فرسك كأنه يدور في فلك ". قال أبو عبيدة: قوله " في فلك ": فيه قولان: فأما الذي تعرفه العامة، فإنه شبه بفلك السماء الذي تدور عليه النجوم، وهو الذي يقال له القطب، شبه بقطب الرحى. قال: وقال بعض العرب: الفلك هو الموج إذا ماج في البحر فاضطرب، وجاء وذهب، فشبه الفرس في اضطرابه بذلك. ]]