لم يقو جيش الشريف علي بن الحسين؛ -الذي تنازل له والده عن حكم الحجاز- على مواجهة جيش الملك عبدالعزيز خارج حدود مكة المكرّمة، ففر هارباً إلى جدة مع مجموعة من جنوده وتحصن فيها، وترك مكة في حماية قوة صغيرة من قواته آثر جنودها السلامة، فدخل جيش الملك عبدالعزيز المدينة دون قتال في أكتوبر 1924، وبعد أكثر من شهر وصل الملك عبدالعزيز إلى مكة المكرّمة في الرابع من ديسمبر، ودخلها معتمراً، ودلف في خشوع إلى البيت الحرام من باب السلام وأدى مناسك العمرة. وتحظى مكة المكرّمة بمكانة مركزية وروحية في الإسلام؛ ما جعل من فتح الملك عبدالعزيز لها إيذاناً بزوال حكم الأشراف، الذين تصاعدت كراهيتهم في الجزيرة العربية، بسبب تسييسهم الحج، ومنعهم أبناء منطقة نجد وغيرها من أداء الركن الخامس للإسلام، وجعل من دخول الملك عبدالعزيز المدينة المقدسة حدثاً كبيراً في مسيرة توحيد المملكة، وهو ما وثقته صحيفة "أم القرى" في عددها الأول الصادر يوم الجمعة 15 جمادى الأولى 1343هـ، 12 ديسمبر 1924. وسردت "أم القرى" دخول الملك عبدالعزيز المدينة المقدسة لقرائها في مشاهد حية نابضة بأجواء الحدث الكبير في تقرير حمل عنوان "وصول عظمة السلطان إلى أم القرى" جاء فيه "لم يؤذن عشاء يوم الخميس من ليلة الجمعة الثامن من شهر جمادى الأولى، إلا وقد بلغ ركاب سلطان العرب مكان السد بين جبل حراء وجبل ثقبة وأصوات الملبين من ركبه تتجاوب أصداؤها في الفضاء.
وفي نهاية عام 1951م أوكلت مهمة تدريب الجيش السعودي إلى بعثة أمريكية, أدخل معها عناصر مصرية وعربية. وعندما جاءت ميزانية العام المالي 1954- 1955م. كانت وزارة الدفاع من أغنى الوزارات في المملكة إذ وصل احتياطها المالي إلى خمسين مليون جنيه. جيش الملك عبدالعزيز .. جيش الأخـوان .. نواة القوات البريه الملكيه السعوديه (موضوع شامل) | Arab Defense المنتدى العربي للدفاع والتسليح. وبالمناسبة نقول بأن الحكومة الأمريكية كانت قد أعلنت عن استعدادها لتقديم قروض إلى المملكة بلغت خمسة وعشرين مليون جنيه, ولكن لم يكن ذلك القرض على شكل سيولة مالية, بل تعلق بأمور عينية مثل تقديم خمسة آلاف طن من الأرز والسكر, وعشرين ألف طن من القمح والدقيق وسيارات عسكرية واصلة إلى موانئ المملكة ومسحوبة من المستودعات الأمريكية العسكرية.
حرص العثمانيون على البقاء في وسط الجزيرة العربية، وأسسوا الحاميات التركية في البلدات النجدية، ودعموها بالرجال والسلاح لأسباب عديدة من أهمها: أولًا: بقيت نجد مناوئة للاحتلال العثماني ولم ترضخ منذ العام 1818م، غداة سقوط الدرعية حتى خروج الملك عبد العزيز عام 1902م لاستعادة ملك آبائه، وكلما سنحت فرصة اجتمع الأهالي حول أئمتهم من آل سعود. ثانيًا: حرص الأتراك على البقاء قريبًا من عاصمة السعوديين – الدرعية والرياض- كونها مراكز تجمع السعوديين، وولادة معارك التحرير ضدهم. ثالثًا: بناء قواعد متقدمة للمحتل يدير منها عملياته ضد السعوديين ويتجسس عليهم ويستنزفهم. رابعًا: عدم ثقة المحتل العثماني في أدواته المحلية التي لم تنحز للعثماني إلا طمعًا في مال أو سلطة، ولا تستطيع تحقيق ولاءات على الأرض بدون القوة القمعية التركية. خامسًا: قاعدة تصدي ضد السعوديون خوفًا من تحريرهم، ليس نجد فقط بل تحرير المدينة المنورة القريبة جدًا من القصيم وثاني أهم المدن المقدسة بعد مكة المكرمة. لقد حرص المحتل العثماني، على أن تبقى يده العسكرية في منطقة وسط بين الدرعية والرياض من جهة، والحجاز من جهة أخرى؛ خوفًا من عودة المدن المقدسة إلى حضنها السعودي، فالحرمان الشريفان هما من يحققان للمحتل العثماني شرعيته – المزوّرة- على العالم الإسلامي.
وصل ليعد الترتيبات الخاصة بمهمته التي اشتملت على تسعة ضباط آخرين, إضافة إلى 26 ضابطا غير متفرغ, وذلك لإعادة ترتيب الجيش السعودي. في تلك الأثناء تم تعيين الدكتور يوسف يس مترجما مابين البعثة البريطانية ووزير الدفاع الأمير منصور, وسبق ليوسف يس أن شغل منصب السكرتير الإعلامي في البعثة السعودية في لندن. وأتخذ وزير الدفاع من إبراهيم المعمر الذي كان يعمل عام 1918م مرشدا وصديقا لي وخالد السديري صماما للأمان مرافقا للبعثة البريطانية. كانت الفكرة بشكل عام هي إنشاء جيش نظامي حديث مؤلف من 12 ألف مقاتل, وكانت هناك مشكلة تأمين الاعتمادات المالية اللازمة لتحقيق تلك الغاية, علما بأنه تم الاتفاق أن تؤمن البعثة البريطانية كافة احتياجاتها. حضرت اجتماع اللجنة الاستشارية المكلفة بمهمة الإشراف على الاعتماد المالي المقترح والبالغ مليونا وثلاث مئة ألف جنيه إسترليني. وفي ذلك الاجتماع صرح ممثل وزارة المالية بأن المبلغ الذي تم تأمينه لم يتجاوز 850 ألف جنيه. نقل ذلك الخبر إلى الملك عبدالعزيز الذي غضب غضبا شديدا بسبب بخل عبدالله السليمان, وأفهمه فورا أن يعتمد المبلغ المقترح, وبالفعل لم يعد يشكل هذا الأمر صعوبة حقيقية.