وتميّز عصر الإمام الهادي(عليه السلام) بقربه من عصر الغيبة المرتقب ، فكان عليه أن يهيّئ الجماعة الصالحة لاستقبال هذا العصر الجديد الذي لم يُعهد من قبل حيث لم يمارس الشيعة حياتهم إلاّ في ظل الارتباط المباشر بالأئمة المعصومين خلال قرنين من الزمن. ومن هنا كان دور الإمام الهادي(عليه السلام) في هذا المجال مهمّاً وتأسيسيّاً وصعباً بالرغم من كل التصريحات التي كانت تتداول بين المسلمين عامّةً ، وبين شيعة أهل البيت خاصّةً حول غيبة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) أي المهدي المنتظر الذي وعد الله به الأمم. وبالرغم من العزلة التي كانت قد فرضتها السلطة العباسية على هذا الإمام حيث أحكمت الرقابة عليه في عاصمتها سامراء ولكنّ الإمام كان يمارس دوره المطلوب ونشاطه التوجيهي بكل دقّة وحذر ، وكان يستعين بجهاز الوكلاء الذي أسّسه الإمام الصادق(عليه السلام) وأحكم دعائمه أبوه الإمام الجواد(عليه السلام) وسعى من خلال هذا الجهاز المحكم أن يقدّم لشيعته أهمّ ما تحتاج إليه في ظرفها العصيب. استشهاد الامام علي الهادي. وبهذا أخذ يتّجه بالخط الشيعي أتباع أهل البيت(عليهم السلام) نحو الاستقلال الذي كان يتطلّبه عصر الغيبة الكبرى ، فسعى الإمام علي الهادي(عليه السلام) بكل جدّ في تربية العلماء والفقهاء إلى جانب رفده المسلمين بالعطاء الفكري والديني و العقائدي والفقهي والأخلاقي ، ويمثّل لنا مسند الإمام الهادي(عليه السلام) جملة من تراثه الذي وصل إلينا بالرغم من قساوة الظروف التي عاشها هو ومَن بعده من الأئمة الأطهار(عليهم السلام).
4ـ قال(ع): « إِنَّ اللهَ جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ بَلْوَى، وَالْآخِرَةَ دَارَ عُقْبَى، وَجَعَلَ بَلْوَى الدُّنْيَا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ سَبَباً، وَثَوَابَ الْآخِرَةِ مِنْ بَلْوَى الدُّنْيَا عِوَضا ً». رثاؤه(ع) ممّن رثاه السيّد محسن الأمين العاملي(رحمه الله) بقوله: «يَا رَاكبَ الشّدنيَّة الوَجناءِ ** عَرِّجْ عَلى قَبرٍ بسامرّاءِ قَبرٌ تَضمَّنَ بَضعةً مِنْ أحمدٍ ** وحشاشةً للبَضعةِ الزَّهراءِ قَبرٌ تَضمَّنَ مِن سُلالةِ حَيدرٍ ** بَدراً يَشقُّ حَنادسَ الظَّلماءِ قَبرٌ سَما شَرفاً عَلى هَامِ السُّها ** وعَلا بِساكنِهِ عَلى الجوزاءِ بعليٍّ الهَادي إلى نهجِ الهُدى ** والدِّينُ عَادَ مؤرّجَ الأرجاءِ يا ابنَ النَّبيِّ المُصطَفى ووَصيِّهِ ** وابنَ الهُداةِ السَّادةِ الأُمناءِ أنأوكَ بَغياً عَن مَرابعِ طِيبةٍ ** وقُلوبُهُم مَلأى مِن الشَّحْناءِ»(9). ـــــــــــــــــــــــ 1ـ اُنظر: إعلام الورى بأعلام الهدى 2/ 107، الأنوار البهية: 271. 2ـ إعلام الورى بأعلام الهدى 2/ 118. 3ـ الكافي 1/ 498 ح1. 4ـ الصواعق المحرقة: 205. 5ـ مروج الذهب 4/ 11. سيرة الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام. 6ـ بحار الأنوار 99/ 144. 7ـ من لا يحضره الفقيه 2/ 609 ح3213.
5- جعفر 6- عالية ولادته ولد في صريا، قرية في نواحي المدينة المنورة، في منتصف ذي الحجة سنة 212. وقد اختلف المحدثون في تاريخ ولادته: فقيل: وُلد في شهر رجب، ويؤيد هذا القول، الدعاء المروي عن الإمام الثاني عشر (اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب: محمد بن علي الثاني وابنه علي بن محمد المنتجب.. ). وذكر عياش إن ولادته كانت في الثاني من شهر رجب، أو الخامس منه، وقيل: (في الليلة الثالثة عشرة منه، سنة 214هـ، وقيل: 212هـ. وقيل: كانت ولادته في النصف من ذي الحجة، أو السابع والعشرين منه. الإمام علي الهادي (عليه السلام) | الائمة الاثنا عشر. إمامته انتقل أمر الإمامة إلى الهادي بعد والده الجواد، وهو في المدينة آنذاك. و كان له يومئذٍ من العمر ثمان سنوات. و مدّة إمامته نحو أربع وثلاثين سنة. [3] سيرته • نقش خاتمه اللهُ رَبِّي وَ هُوَ عِصْمَتِي مِنْ خَلْقِهِ. • شعراؤه العوفي، الديلمي، محمد بن إسماعيل الصيمري، أبو تمام الطائي، أبو الغوث أسلم بن مهوز المنبجي، أبو هاشم الجعفري، الحماني. • ملوك عصره المعتصم العباسي، الواثق، المتوكل، المنتصر، المستعين، المعتز. بقي الإمام الهادي في المدينة بقية خلافة المعتصم العباسي وأيام خلافة الواثق العباسي، حيث مضى على إمامته 12 عاماً، فلما تولى المتوكل الخلافة، خشي منه القيام ضده فاستقدمه إلى العراق ، ليكون قريباً منه يراقبه ويسهل الضغط عليه.
فقلت في نفسي: لن أبرح، حتى انظر إليه، ولم يمض أمد من الوقت حتى أقبل راكبا على فرس، وقد قام الناس يمنه الطريق، ويسرتها صفين ينظرون إليه، فلما رأيته وقع حبه في قلبي، ودعوت له في نفسي أن يدفع الله شر المتوكل. اولاد الامام علي الهادي عليه السلام. واقبل الامام يسير بين الناس، لا ينظر يمنة ولا يسره، وأنا أكرر في نفسي الدعاء. فلما صار بأزائي اقبل بوجهه علي، وقال لي: قد استجاب الله دعاءك، وطول عمرك، وكثر مالك وولدك. قال عبد الرحمن: فارتعدت من هيبته، ووقعت بين أصحابي، فسألوني: / صفحة 248 / ما شأنك؟. فقلت: خيرا، ولم اخبر بذلك مخلوقا، فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان، ففتح الله علي بدعائه، حتى أنا اليوم أغلق بابي على ألف ألف درهم سوى أموالي التي خارج الدار، ورزقت عشرة من الاولاد، وقد بلغت الان من العمر نيفا وسبعين سنة.
بطاقة هوية: الولادة: الأشهر أن ولادته كانت في النصف من ذي الحجة سنة (212ه) قرب المدينة في موضع يقال له(صريا) وعلى رواية ابن عياش أن ولادته كانت في الثاني أو الخامس من رجب. الشهادة: المتفق عليه أنه توفي سنة (254ه) وحصل الاختلاف في اليوم قيل الثالث من شهر رجب. كان عمره حين وفاته (42) سنة استشهد بالسم في زمن المعتز. مدة الإمامة: مدة إمامته (33 سنة). ذكري وفاه الامام علي الهادي ع. ألقابه: النجيب، المرتضى، الهادي، النقي، العالم، الفقيه، الأمين، المؤتمن، الطيب، المتوكل، وأشهرها: الهادي، والنقي. كنيته: أبو الحسن الثالث1. نقش خاتمه: "اللّه ربي وهو عصمتي من خلقه"، "حفظ العهود من أخلاق المعبود". مدفنه: سامراء.
وقال أبو جعفر الطوسي في مصابيحه ، وابن عيّاش ، وصاحب الدّروس: إنّه قُبض بسرّ مَن رأى يوم الاثنين ثالث رجب ووافقهم الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين حيث قال: توفّي (عليه السلام) بـ (سرّ مَن رأى) لثلاث ليال خلون نصف النّهار من رجب ، وللزرندي قول: بأنّه توفّي يوم الاثنين الثالث عشر من رجب. ولكنّ الكلّ متّفقون على أنّه استشهد في سنة أربع وخمسين ومائتين للهجرة. فسلام عليه يوم وُلد ويوم تقلّد الإمامة وهو صبيّ لم يبلغ الحلم ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّاً.