البعض يكتفي بها، لأنه لا يدندن غيرها، والبعض الآخر عليها يزيد، لأنه يريد أن يقدم المزيد، فيحمدك حمداً طيباً طاهراً مباركاً ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، حمداً يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك. وأي حمد هذا الذي نجرؤ أن نقول إنه يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأي حمدٍ هذا الذي نستطيع أن نحمده وننمّقه ونحسّنه ونغلفه لنقدمه ليليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك. وتنتهي الصلاة ولا ننصرف إلى الدنيا حتى نؤدي شكرها، فنحمد الله ثلاثاً وثلاثين، نتجول أثناءها في كل مكان، بأذهاننا وعقولنا وقلوبنا، ونتذكر نعم الله علينا نعمة نعمة، لنحمد الله عليها نعمة نعمة، ولكن.. الحمدلله تملأ الميزان اليوم. وآه مما بعد لكن.. لكنها الدنيا.. ولكنه الشيطان، ولكنه اللهو، فيا للحسرة، فالبعض يقولها لاهيا، والبعض لا يعرف مدلولها، بل قد لم يفكر يوما في كنهها، فبعد أن قالها ثلاثاً وثلاثين سألته كيف حالك، فقال بحسرة ومرارة: «أي حال؟ فالحال مؤلم والحال مرير، الحال ماشي بالضغط و بالدفع وبالعنف وبالمر المهم أنه ماشي الحال»، وساءلت نفسي هل يجوز الحمد مع كل هذه المرارة. وذات يوم قلت لأحدهم «احمد الله يا رجل ولا تضجّر»، فقال لي وهو يصرخ في وجهي ويقبل كفيه ظاهراً وباطناً: حامدينه وشاكرينه، لأننا لا نملك أن نفعل غير هذا.
وقوله: "تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض"، أي أنها تملأ ما بين السماء والأرض في كل المناطق وإن المسافة بينهما لا يعلمها إلا الله عز وجل. وقوله: "الصلاة نور" أي صلاة الفرض وصلاة النافلة هي نور، فهي نور في القلب والوجه والقبر وأيضاً نور في الحشر، فإن في الصلاة الحقيقة التي يتم فيها استحضار القلب والجوارح يشعر المسلم بأن قلبه استنار وتلذذ بحلاوة الخشوع، ولهذا قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: " جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ ". وقوله: "الصدقة" أي هي المال الذي يخرجه المسلم للمحتاج والهدف من الصدقة هو التقرب من الله سبحانه وتعالى. الحمدلله تملأ الميزان الخلفي. وقوله: "برهان" أي دليل على صدق إيمان المسلم الذي يتصدق، حيث أن المال هو قريب للنفس ومحبوب وإن المحبوب لا يُبذل إلا في طلب من هو أحب، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على صدق وإيمان المتصدق ولهذا سمي نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الصدقة برهان. وقوله: " الصبر ضياء" أي يجب أن يحبس المسلم نفسه عما يجب الصبر عنه وعليه، وإن الصبر ضياء لأن الضياء فيه حرارة، وهنا نجد أن رسولنا الكريم لم يقل نور بل قال ضياء، لأن الصبر فيه حرارة مرارة وهو شاق على المسلم ولهذا جُعلت الصلاة نور أما الصبر فهو ضياء، وإن الصبر له ثلاثة أنوع: النوع الأول هو الصبر عن معصية الله وهو حبس النفس عن فعل المحرمات حتى مع وجود السبب، كالرجل الذي حدثته نفسه أن يزني ولكن نفسه قد منعته فهنا نقول بأنه هذا صبر عن معصية الله تعالى.
فلقد وهبتنا النعمة تلو النعمة، وتتراكم النعم، فنحاول ملاحقة النعم بالحمد، فتمنحنا الأجر تلو الأجر، أجراً على الاعتراف بالنعمة، وأجراً على حمد النعمة، وأجراً على حمد المنعم على توفيقه لنا لحمد النعمة، ويتركب الأجر فوق الأجر، وتتراكم الأجور، فنعجز عن ملاحقة النعم بالحمد، فلك الفضل ولك المنة ولك الحمد. الدرر السنية. لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضى. فلك الحمد إذا أعطيت، ولك الحمد إذا أخذت، فلك الحمد في الحالين وسنقول في الحالين ربي أكرمن، وأبداً أبداً لن نقول ربي أهانن، أكرمني بالعطاء وأكرمني بالمنع، فكلاهما لنا أجر، فعجباً لأمر المؤمن، إذا أُعطي شكر وله أجر، وإذا مُنع صبر وله أجر، وكلاهما له خير. وتتجلى عظمتك ربي وتتعاظم وأنت العظيم دوماً، والرحيم بنا دوماً، فتحدد وقتاً لعبادك تستمع فيه لحمدنا، وأنت السميع دوماً لنا، فنقول في الصلاة «سمع الله لمن حمده» أي أن الباب الآن مفتوح، وهو على مدار الساعة مفتوح، لكنه الآن مخصصٌ لحمده، والسميع الآن يستمع، وهو السميع دوماً يستمع، يستمع لحمده، فالملائكة تحمده الآن بعد «سمع الله لمن حمده» فطوبى لمن تطابق حمد الملائكة مع حمده، فالكون كله يتسابق إلى حمده، ملائكته وبشره وحجره وشجره بعد «سمع الله لمن حمده» فبقول واحد وبقلب واحد الكل يردد ويؤكد «ربنا ولك الحمد».