4) إن تظن أن الله لن ينصر دينه وأولياؤه وأن أعداء الإسلام سيظلون يتسلطون علينا طوال العمر وأن المسلمين لن يروا العزّ والتمكين أبدًا.. فما ظنكم برب العالمين ؟! - زاكي. ولكن ظننا بالله أن يرحمنا فالله أرحم بنا من أمهاتنا وأبائنا. وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد" [متفق عليه].. أي إنه إذا علم المؤمن العقاب الذي عند الله فلن يطمع أن يدخل الجنة بل سيكون أقصى طمعه فى البعد عن النار، ولكن رحمته سبقت غضبه سبحانه حتى إن الكافر لو علِم رحمة الله ما يأس من أن ينال جنته.
طبيعة الظن: إن الظن أحياناً يكون اتهاماً لله سبحانه كما في قوله تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْـمُنَافِقِين َ وَالْـمُنَافِقَ اتِ وَالْـمُشْرِكِي نَ وَالْـمُشْرِكَا تِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح: ظ¦]، قال ابن كثير: «أي: يتهمون الله في حكمه»، تصور أن يتهم مخلوق خالقه! أن يجترئ ضعيف فانٍ على التطاول على مولاه القوي وبارئه القدير! من هنا جاء سؤال نبي الله إبراهيم لقومه: {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 87].
لظن بمعناه المتبادر درجة من درجات العلم، فهو فوق الشك، ودون اليقين، وفي القرآن يأتي الظن أحياناً بمعنى الشك ويأتي بمعنى اليقين كلمة الظن ومشتقاتها من أبرز وأهم الألفاظ التي تكررت مادتها في القرآن الكريم ، وورد ذكرها في كتاب الله جل وعلا في ستين موضعاً تقريباً، أحياناً بصيغة الاسم وأحياناً بصيغة الفعل. واللافت للنظر هو ذلك التنوع في المعنى المراد بالظن حيث يرد بمعناه الأصلي المتبادر للأذهان وهو الشك والتوهم والحسبان ويرد أيضاً بمعنى الاعتقاد بل واليقين الجازم، وهذا التفاوت الكبير مما يميز هذه اللفظة القرآنية بشكل واضح، وينبغي أن يدرك المتدبر لكتاب الله حقيقة هذا التنوع لارتباطه بهذا الأمر الجلل الذي يتعلق به شيء من أخطر ما ينبغي للمسلم الانشغال به وهو المآل والمصير. نعم، هذه حقيقة يغفل عنها الكثيرون، المآل مرتبط بالظن في الله سبحانه وتعالى، وإن قوماً فسد ظنهم بربهم ففسدت آخرتهم وهلكوا: { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْـخَاسِرِينَ} [فصلت: 23]، في هذه الآية من سورة فصلت تصريح بهذا الارتباط الوثيق بين الظن والمآل. فما ظنكم برب العالمين؟!. هؤلاء قوم أساءوا الظن بربهم فلم يخشوا نظره ولم يستحيوا من سمعه وبصره بل ظنوا أنه لا يعلم كثيراً مما يعملون، { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت: ٢٢]، فظن العبد أن ربه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ومعرفته ويقينه باسمه العليم والسميع والبصير من المفترض أن تدفعه إلى مراقبة مولاه في السر والعلن، فلما لم يفعل ذلك دل على قصورٍ في هذا الظن وخللٍ في تلك المعرفة، أو أنه يعرف ولكنه لا يهتم ولا يستحيي من ذلك السمع والبصر والعلم.
معنى قوله -تعالى-: ( فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) أي ما الفكر الذي عندكم حتى فضّلتم عبادة الأصنام على عبادة الله -تعالى-؟ وعلى أيّ شيءٍ تستندون في ترك توحيده -عزّ وجلّ-؟ وقد سألهم عن "ظنّهم" وترك سؤالهم عن دليلٍ قاطعٍ، كأنّه يقول لهم أنّ صنيعكم هذا ليس عليه شبهة دليل حتى يكون عليه دليلٌ حقيقيٌّ. فما ظنكم برب العالمين قال ابن مسعود. [٥] وفي الآية أنَّ إبراهيم -عليه السّلام- بعد أن بيّن لقومه ضعف موقفهم وسوء تقديرهم واختيارهم، يوجّههم للتفكير في لقاء الله -عزّ وجلّ-، فها أنتم قد عبدتم غيره فماذا تتوقعون أن يفعل بكم إذا انقلبتم إليه؟ [٦] هل تتوقّعون أن يرحمكم وينعّمكم بعد أن كفرتم به وطلبتم العون والنّعمة من مخلوقاته، مع أنّه -تعالى- هو المنعم وحده؟. [٧] وفي هذا الأسلوب تقريعٌ لهم وترهيبٌ من عذاب الله -تعالى-، فكأنَّه -عليه السّلام- يقول لهم: لا تظنّوا أنّ الله -تعالى- يفعل بكم خيراً إذا لقيتموه كافرين به عابدين غيره من مخلوقاته، بل ظنّوا أنّه معذّبكم ومجازيكم على صنيعكم وكفركم به. [٧] من توجيهات قوله -تعالى-: ( فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) توجّه الآية الكريمة الإنسانَ إلى محاسبة نفسه من خلال تفكيره بأفعاله من حيث كونها مما يرضى الله -تعالى- عنه، أم مما يسخط الله -تعالى-، فمن حاسب نفسه وصارحها رجع عن معاصيه وتاب لله -تعالى-.
ومنهم من أحسن الظن في بلائه وامتحانه كأيوب سلام الله عليه حين قال في تمام الضير وشدة الابتلاء: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]، ها هو صاحب البلايا والأسقام والرزايا المريض المسكين ينادي أرحم الراحمين، يقر له بالرحمة، بل تمام وكمال الرحمة، الرحمة التي شكك ويشكك فيها أقوام لم يذوقوا معشار ما ذاق أيوب مع ذلك لم يتزعزع حسن ظنه بالله قيد أنملة ولم يهتز إيمانه ويقينه بربه لحظة. كل ما سبق من نماذج الظن الحسن وغيرها كثير مما لا يحصيه مقال واحد هي لأناس لم يحل حسن ظنهم بينهم وبين العمل والأخذ بالأسباب بل كان حسن ظنهم في الحقيقة دافعاً ومحركاً لهم لمزيد من العمل وما كان دعاؤهم المتصل إلا جزءاً من هذا العمل، عملاً لا يدرك قيمته العاجزون والعاجز حقاً من عجز عن الدعاء كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما حين تنقطع الأسباب ويبرز اليأس والإحباط والقنوط إلى السطح وتعلو أصوات حملته فعندئذ ينبغي إعادة ذلك السؤال الإبراهيمي الجامع، {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وهنا تبرز في مقابلة هذا السؤال تلك الإجابة الربانية الذي حواها ذلك الحديث القدسي الشهير: أنا عند ظنِّ عبدِي بي إنْ ظنَّ خيراً فلهُ وإنْ ظنَّ شراً فله.