الثاني: يدفعه إبعادا له وزجرا ، وقد قرئ (يدع اليتيم) مخففة ، وتأويله على هذه القراءة يترك اليتيم فلا يراعيه إطراحا له وإعراضا عنه. ويحتمل على هذه القراءة تأويلا ثالثا: يدع اليتيم لاستخدامه وامتهانه قهرا واستطالة. ولا يحض على طعام المسكين أي لا يفعله ولا يأمر به ، وليس الذم عاما حتى يتناول من تركه عجزا ، ولكنهم كانوا يبخلون ويعتذرون لأنفسهم يقولون أنطعم من لو يشاء الله أطعمه فنزلت هذه الآية فيهم ، ويكون معنى الكلام لا يفعلونه إن قدروا ، ولا يحثون عليه إن عجزوا. فويل للمصلين الآية ، وفي إطلاق هذا الذم إضمار ، وفيه وجهان: أحدهما: أنه المنافق ، إن صلاها لوقتها لم يرج ثوابها ، وإن صلاها لغير وقتها لم يخش عقابها ، قاله الحسن. الثاني: أن إضماره ظاهر متصل به ، وهو قوله تعالى: الذين هم الآية. وإتمام الآية في قوله: فويل للمصلين ما بعدها من قوله: الذين هم عن صلاتهم ساهون إضمارا فيها وإن كان نطقا ظاهرا. وليس السهو الذي يطرأ عليه في صلاته ولا يقدر على دفعه عن نفسه هو الذي ذم به ، لأنه عفو. وفي تأويل ما استحق به هذا الذم ستة أوجه: أحدها: أن معنى ساهون أي لاهون ، قاله مجاهد. [ ص: 352] الثاني: غافلون ، قاله قتادة.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان في قوله: ( يَدُعُّ الْيَتِيمَ) قال: يدفعه. ابن عاشور: فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) فمعنى الآية عطفُ صفتي: دَع اليتيم ، وعدم إطعام المسكين على جزم التكذيب بالدين. وهذا يفيد تشويه إنكار البعث بما ينشأ عن إنكاره من المذام ومن مخالفة للحق ومنَافياً لما تقتضيه الحكمة من التكليف ، وفي ذلك كناية عن تحذير المسلمين من الاقتراب من إحدى هاتين الصفتين بأنهما من صفات الذين لا يؤمنون بالجزاء. وجيء في { يكذب} ، و { يدُعّ} ، و { يَحُضّ} بصيغة المضارع لإفادة تكرر ذلك منه ودوامه. وهذا إيذان بأن الإِيمان بالبعث والجزاء هو الوازع الحق الذي يغرس في النفس جذور الإقبال على الأعمال الصالحة حتى يصير ذلك لها خلقاً إذا شبت عليه ، فزكت وانساقت إلى الخير بدون كلفة ولا احتياج إلى آمر ولا إلى مخافة ممن يقيم عليه العقوبات حتى إذا اختلى بنفسه وآمن الرقباء جاء بالفحشاء والأعمال النَّكراء. والرؤية بصرية يتعدى فعلها إلى مفعول واحد ، فإن المكذبين بالدين معروفون وأعمالهم مشهورة ، فنزّلت شهرتهم بذلك منزلة الأمر المبصَر المشاهد. وقرأ نافع بتسهيل الهمزة التي بعد الراء من { أرأيت} ألفاً.