ولهذا، ولما كان المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً، والكيدُ له عظيماً، سلاه الله بآية عظيمة، تبعث على الثقة والطمأنينة، والأمل والراحة، ليس له صلى الله عليه وسلم وحده، بل لكل داعية يسير على نهجه ممن قد يشعر بكيد الكائدين ومكر الماكرين، فقال ـ: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ* إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 127، 128]. "فالله حافظه من المكر والكيد، لا يدعه للماكرين الكائدين وهو مخلص في دعوته لا يبتغي من ورائها شيئاً لنفسه، ولقد يقع به الأذى لامتحان صبره، ويبطئ عليه النصر لابتلاء ثقته بربه، ولكن العاقبة مظنونة ومعروفة: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} ومن كان الله معه فلا عليه ممن يكيدون وممن يمكرون" (3)، والمهم أن يحفظ سياج التقوى، ولا يقطع إحسانه إلى الخلق، ثم ليبشر بعد ذلك ببطلان كيد الماكرين. أيها القارئ المحب لكلام ربه: لعلك تلاحظ أن المكر ـ في هذه القاعدة القرآنية: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} ـ لعلك تلاحظ أن المكر أضيف إلى السوء، وهذا يوضح أن المكر من حيث هو لا يذم ولا يمدح إلا بالنظر في عاقبته، فإن كان المكرُ لغاية صحيحة فهو ممدوح، وإلا فلا، ومن بلاغة البيان القرآني التعبير بالحيق مع كلمة المكر، في قوله: (ولا يحيق) ، فالعرب تقول: حاق به المكروه يحيق به حيقاً، إذا نزل به وأحاط به، ولا يطلق إلا على إحاطة المكروه خاصة، فلا تقول: حاق به الخير، بمعنى: أحاط به(4).
ومعنى هذه القاعدة التي تضمنتها هذه الآية باختصار: "أن هؤلاء الكفار المعاندين أقسموا بالله أشد الأَيْمان لئن جاءهم رسول من عند الله يخوِّفهم عقاب الله ليكونُنَّ أكثر استقامة واتباعًا للحق من اليهود والنصارى وغيرهم، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم ما زادهم ذلك إلا بُعدًا عن الحق ونفورًا منه، وليس إقسامهم لقَصد حسن وطلبًا للحق، وإنما هو استكبارٌ في الأرض على الخلق، يريدون به المكر السيِّئ، والخداع والباطل، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، فهل ينتظر المستكبرون الماكرون إلا العذاب الذي نزل بأمثالهم الذين سبقوهم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا موعد جديد لموضوعنا المتنور: (قواعد قرآنية)، نعيش فيها مع قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب التعامل مع الخلق، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه} [فاطر:43]. وهذه القاعدة القرآنية جاءت ضمن سياق آيات في سورة فاطر، يحسن ذكرها ليتضح معناها، يقول تعالى عن طائفة من المعاندين [التحرير والتنوير:12/73 في تفسير ابن عاشور لهذه الآية]: { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا.
تفسير ابن كثير تفسير القرطبي تفسير الطبري تفسير السعدي تفسير الجلالين اعراب صرف ثم بين ذلك بقوله "استكبارا في الأرض" أي استكبروا عن اتباع آيات الله "ومكر السيء" أي ومكروا بالناس في صدهم إياهم عن سبيل الله "ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله" أي وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم.
اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) ( استكبارا في الأرض) أي: استكبروا عن اتباع آيات الله ، ( ومكر السيئ) أي: ومكروا بالناس في صدهم إياهم عن سبيل الله ، ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) [ أي: وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم. قال ابن أبي حاتم: ذكر علي بن الحسين ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن أبي زكريا الكوفي عن رجل حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياك ومكر السيئ ، فإنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله] ، ولهم من الله طالب " ، ، وقد قال محمد بن كعب القرظي: ثلاث من فعلهن لم ينج حتى ينزل به من مكر أو بغي أو نكث ، وتصديقها في كتاب الله: ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله). ( إنما بغيكم على أنفسكم) [ يونس: 23] ، ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) [ الفتح: 10]. وقوله: ( فهل ينظرون إلا سنة الأولين) يعني عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره ، ( فلن تجد لسنة الله تبديلا) أي لا تغير ولا تبدل ، بل هي جارية كذلك في كل مكذب ، ( ولن تجد لسنة الله تحويلا) أي: ( وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له) [ الرعد: 11] ، ولا يكشف ذلك عنهم ويحوله عنهم أحد.
اللهمَّ إنا نَسألُك مُوجباتِ رحمتِك، وعَزائمَ مغفرتِك، والسلامةَ من كلِّ إثمٍ، والغَنيمةَ من كلِّ برٍّ، والفوزَ بالجنةِ، والنجاةَ من النارِ. يا حيُّ يا قيومُ برحمتِك نستغيثُ، أصلح لنا شأنَنا كُلَّه، ولا تكلنا إلى أنفسِنا طَرفةَ عينٍ. اللهم نَسألُك من الخيرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذُ بك من الشرِ كلِّه، عاجلِه وآجلِه ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزِدنا ولا تُنقصنا، وأكرمنا ولا تُهنَّا. اللهمَّ رغبنا فيما يَبقى، وزَهدَّنا فيما يَفنى، واغفر لنا الآخرة والأولى، اللهمَّ اجعل رِزقَنا رَغداً، ولا تُشمت بنا أَحداً، ولا تَجعل لكافرٍ علينا يَداً، اللهم آمنا في أوطانِنا، واحفظ ولاةَ أمورِنا، ووفقْ بالحقِ إمامَنا ووليَ أمرِنا. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، سبحان ربِّنا رب العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وقوله ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) يقول: ولا ينـزل المكر السيئ إلا بأهله، يعني بالذين يمكرونه، وإنما عنى أنه لا يحل مكروه ذلك المكر الذي مكره هؤلاء المشركون إلا بهم. وقال قتادة في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) وهو الشرك. وقوله ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ) يقول تعالى ذكره: فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا سنة الله بهم في عاجل الدنيا على كفرهم به أليم العقاب، يقول: فهل ينتظر هؤلاء إلا أن أحل بهم من نقمتي على شركهم بي وتكذيبهم رسولي مثل الذي أحللت بمن قبلهم من أشكالهم من الأمم. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ) أي: عقوبة الأولين ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) يقول: فلن تجد يا محمد لسنة الله تغييرًا. وقوله ( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا) يقول: ولن تجد لسنة الله في خلقه تبديلا يقول: لن يغير ذلك ولا يبدله؛ لأنه لا مرد لقضائه. ------------------------ الهوامش: (1) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 267) قال: وقوله (مكر السيئ): أضيف المكر إلى إلى السيئ، وهو هو.
[6] شاهد أيضًا: فضل دعاء ربي اني مسني الضر العِبر المُستفادة من قصّة أيّوب عليه السلام تعتبر قصة أيوب عليه السلام بأنها من قصص لأنبياء التي تعلّم المسلم الصبر على المصيبة، فقد ذكرت قصة أيوب -عليه السلام- في سورتي (ص) و(الأنبياء) في القرآن الكريم، ومن أبرز العبر المستفادة من قصته ما يلي: [7] الصّبر سبيلًا للعوض من الله وما هو إلّا مفتاحٌ للفرج. التوكُّل على الله، و تقوية الصلة بالله والثقة المُطلقة به. صبر المرأة الصّالحة على مرض زوجها وفقره. تهذيب النفس على الصبر على البلاء، والشُّكر في الخير والشرّ. الأخذ بالأسباب والإخلاص في السَّعي، ودعاء الله عند الشدائد للوصول إلى النجاح. وفاة أيوب عليه السلام توفي أيوب -عليه السلام- وهو يبلغ من العمر تسعين عاماً كاملة، حيث أنه كان يعاني من المرض والكرب والابتلاء من الله -تعالى-، أما المكان الذي دفن فيه عليه السلام فلا أحد يعلم، فقد كان هناك بئر يطلق عليه اسمه عليه السلام أي بئر أيوب، وقد اعتقد الكثير من الأشخاص منذ القدم أن النبي أيوب كان غسله في هذا البئر بعد أن توفي عليه السلام وتم تجهيزه للدفن، ولكن كافة تلك الأشياء لا يوجد عليها أي دليل من السنة أو الكتاب.
اللَّهُمَّ يَا مَنْ لا تَضُرُّهُ الذُّنُوبُ ، وَلا تُنْقِصُهُ المَغْفِرَةُ، اغْفِرْ لَنَا مَا لا يَضُرُّكَ، وَهَبْ لَنَا مَالا يُنْقِصُكَ. رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْـلَمُ بِهِ مِنّـِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي. رَّبِّ أَنزِلْنِي منزَلاً مبَارَكاً وَأَنتَ خَيْر الْمنزِلِينَ، وَتبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّاب الرَّحِيم. اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ. اللهم إنا نسألك في هذا اليوم رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا وتزكي بها أعمالنا وتلهمنا بها رشدنا وتصلح بها أحوالنا وتذهب بها همومنا. اللهم صبحنا بدفع الهموم وارزقهم عافية تدوم وارفع مقامنا يا رافع السماء والغيوم واجعلني وإياهم في الفردوس الأعلى يا حي يا قيوم.
[8] شاهد أيضًا: من هو الصحابي الجليل الذي قام بتشكيل كلمات وبذلك نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا بعد أن تعرفنا من خلاله على من هو النبي الذي دعا ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، والتعرف لنبذة عن النبي أيوب عليه السلام، كما تم بيان قصة سيدنا أيوب وكيفية استجابة الله لدعائه ووفاته ومكان دفنه.