أمّا مَن يموت في هذا السّبيل فموته لا في سبيل الله، وبئست الخاتمة! نعوذ بالله، أتأمن مِن ذلك؟! مَن يأمن مِن ذلك؟!
وأما إذا كان جاهلاً بدينه فعليه الحذر وعدم السفر، من ناحية الصناعة والاختراعات وغيرها من الأشياء التي في أيديهم، ومن بينها الخداع، حيث يكون جاهلًا لا يعرف الإسلام وقواعده ولكنه يعرف بعض المسلمين وبعض المشركين الذين يسيئون الأخلاق، فعندهم أكاذيب وعندهم ربا وعندهم زنا وعندهم شراب مسكر، وليس كل مسلم محافظ لا يتخلى عن ما حرمه الله تعالى عليه، حيث يمكن أن ينخدع ويرى البعض شيئًا من الأخلاق الدنيوية وينخدع بها، فلا بد من ترك السفر إليها والبقاء بالبلد المسلم ذاته، ويلزم المسلم بدينه.
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يقبل الله من مشركٍ عملاً بعد ما أسلم أو يفارق المشركين))؛ رواه النسائي وابن ماجه وأحمد، والمعنى: حتَّى يفارق المشركين. وعن سمرة بن جندب - رضِي الله عنْه - أنَّه قام يومًا خطيبًا، فكان ممَّا قال: أمَّا بعد، قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن جامع المشرك وسكن معه فإنَّه مثله))؛ رواه أبو داود وحسَّنه الألباني. وعن جرير بن عبدالله: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بعث سريَّة إلى خَثْعَم، فاعتصم ناس بالسُّجود، فأسرع فيهم القتْل، فبلغ ذلك النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأمر لهم بنصف العَقل، وقال: ((أنا بريء من كل مسلِم يقيم بين أظهر المشركين))، قالوا: يا رسول الله، ولِمَ؟ قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا تتراءى ناراهُما))؛ رواه الترمذي وأبو داود، قال الألباني: صحيح دون الأمر بنصْف العقل. السفر إلى بلاد الكفار من أجل الدراسة | موقع البطاقة الدعوي. قال السّيوطي: "يعني: لا يساكن المسلم الكفَّار في بلادِهِم، بحيثُ لو أوْقدوا نارًا ترى كلّ طائفة نارَ الأُخْرى".
ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرا على المسلم ، لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم ، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب قوما فهو منهم). ما حكم السفر إلى بلاد الكفار، وحكم السفر للسياحة؟ - محمد بن صالح العثيمين - طريق الإسلام. الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه ، بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع ، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة ، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين ، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ. قال في المغني (8/457) في الكلام على أقسام الناس في الهجرة: أحدها من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه ، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار فهذا تجب عليه الهجرة ، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء /97. وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب ، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه ، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ويشبه هذا أن يقيم في بلاد الكفر ليكون عينا للمسلمين ؛ ليعرف ما يدبرونه للمسلمين من المكايد فيحذرهم المسلمون ، كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان إلى المشركين في غزوة الخندق ليعرف خبرهم. القسم الثالث: أن يقيم لحاجة الدولة المسلمة وتنظيم علاقاتها مع دولة الكفر كموظفي السفارات فحكمها حكم ما أقام من أجله. فالملحق الثقافي مثلا يقيم ليرعى شؤون الطلبة ويراقبهم ويحملهم على التزام دين الإسلام وأخلاقه وآدابه ، فيحصل بإقامته مصلحة كبيرة ، ويندرئ بها شر كبير. القسم الرابع: أن يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج فتباح الإقامة بقدر الحاجة ، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على جواز دخول بلاد الكفار للتجارة ، وأثروا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم. القسم الخامس: أن يقيم للدراسة وهي من جنس ما قبلها إقامة لحاجة ، لكنها أخطر منها وأشد فتكا بدين المقيم وأخلاقه ، فإن الطالب يشعر بدنو مرتبته وعلو مرتبة معلميه ، فيحصل من ذلك تعظيمهم والاقتناع بآرائهم وأفكارهم وسلوكهم فيقلدهم إلا من شاء الله عصمته وهم قليل ، ثم إن الطالب يشعر بحاجته إلى معلمه فيؤدي ذلك إلى التودد إليه ومداهنته فيما هو عليه من الانحراف والضلال.