وكان ذلك في منتصف الأربعينات الميلادية، وغنى طلال وقتها أغنيته الشهيرة والأولى على المستوى الجماهيري " وردك يا زارع الورد ". في الأربعينات من القرن الماضي أسس طلال مداح مع الفنان لطفي زيني شركة إنتاج فني تبنت كل أعمال طلال في ذلك الوقت وظهر اسم طلال مداح جليا خصوصا بعد ولادة الإذاعة السعودية الرسمية، ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلته الفنية الحقيقية بعد أن أصبح اسمه يدرج جنباُ إلى جنب مع كبار مطربي تلك الفترة محمد علي السندي وفوزي محسون وعبدالله محمد وغيرهم. شيئا فشيئا انتشرت شهرة مداح إقليميا إلى أن وصل صوته إلى عاصمة الفن العربي - القاهرة - واستمع له أباطرة الفن مثل محمد عبد الوهاب ومحمد الموجي وبليغ حمدي، وأبدوا جميعا إعجابهم بصوته وقدموا له ألحانهم.
وقد تكوّن مشوار طلال مداح من عدة مسارات مرحلية مهمة هي: مرحلة ما قبل تقدمه للإذاعة السعودية وكانت تشمل الحفلات في كل من مدينتي مكة المكرمة والطائف وكان طلال فيها متأثرا باللون الغنائى الحجازى القديم واللون الصنعاني وترديد الاغاني والفلكلورات المشهورة، ومن أشهر أغاني تلك المرحلة الخاصة بطلال: شفت القمر في المرايا. -مرحلة تقدمه للاذاعة السعودية وفيها بدأ أولى الخطوات لصقل موهبته وبناء شخصيته الفنية المميزة والمستقلة، ومن أشهر أغناني تلك المرحلة أغنية وردك يا زارع الورد. مرحلة الانتشار والاشتهار داخل المملكة العربية السعودية، وبدأت بتقديم الاغاني المميزة وكانت في بداية الثمانيات الهجرية وفيها قدم أغاني مميزة مثل سويعات الاصيل وشفت أبها وفي الطريق. - مرحلة سفره إلى بيروت بلبنان برفقه لطفي زيني وحسن دردير حيث قام بتسجيل اغانيه برفقه فرقة عبود عبد العال الموسيقية ومن تلك الاغاني بشويش عاتبني وفيها غنى أولى أغانية بطابع الدويتو مع الفنانة الراحلة نزهة يونس وهي كحيل الطرف، وتذكرته مع النسمة، وفي هذه المرحلة قام ببطولة فيلمه السينمائى الوحيد شارع الضباب مع الفنانة صباح ورشيد علامة وسميرة بارودي.
و كان طلال تلميذًا في أحد مدارس مدينة الطائف بالسعودية وكانت هذه المدرسة تقيم عدة حفلات في مناسبات عدة وكان معروفاً عن طلال حلاوة الصوت ونقاوته، الأمر الذي شجع المدرسة على أن تسند إليه القيام بمقرئ الحفل في كل حفلات المدرسة. و كان من بين تلاميذ المدرسة وزملاء طلال تلميذ اسمه عبد الرحمن خوندنه، وكان هذا التلميذ من هواة الموسيقى ويمتلك عودًا يعزف عليه، ولربما كانت تلك الإحساسات الفنية المشتركة عاملاً على التقارب بين طلال وعبد الرحمن خوندنه، فاتفقا على إحياء ليالي سمر تضم الأصدقاء وأن يقوم طلال مداح بالغناء فيما يقوم عبد الرحمن بالعزف على آلة العود، وهكذا بدأت أولى خطواته الفنية. و لما كان الطرب سابقًا أمرًا محرمًا ومستهجنًا فقد رأى الخونده أن يبقى العود دائماً بمنزل طلال مداح لأنه مكانًا آمنًا، ولا يستطيع والده اكتشاف ملكيته للعود، وعليه فقد كان كثير التردد على منزل طلال ليشبع هوايته في العزف. وبحكم وجود ذلك العود بمنزل طلال، فإن طلالاً كان يداعب أوتاره في نشوةٍ وإصرار، ومضى وقت طويل، وخابت مرة وأصابت أخرى، إلى أن بدأ طلال فعلاً في إخراج نغمات تطرب سامعيها، وبذلك تعلم طلال العزف على أولى الآلات الموسيقية، وكانت أغنية وردك يا زارع الورد هي أولى أغنياته في الإذاعة السعودية.
{بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ (15)} [القيامة] { بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}: كل إنسان عالم بما قدمت يداه خبير بنفسه وما تكنه وما يعتمل في صدره وما اقترفت جوارحجه وهو أكبر شاهد على نفسه, مهما قدم من معاذير ومهما أنكر ما اقترف. الجزاء يوم القيامة عادل والجوارح شاهدة على صاحبها. قال تعالى: { بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ (15)} [القيامة] قال ابن كثير في تفسيره: ( { بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره}) أي: هو شهيد على نفسه ، عالم بما فعله ولو اعتذر وأنكر ، كما قال تعالى: ( { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}) [ الإسراء: 14]. بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ. وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس: ( بل الإنسان على نفسه بصيرة) يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه. وقال قتادة: شاهد على نفسه. وفي رواية قال: إذا شئت - والله - رأيته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم غافلا عن ذنوبه ، وكان يقال: إن في الإنجيل مكتوبا: يا ابن آدم ، تبصر القذاة في عين أخيك ، وتترك الجذل في عينك لا تبصره. وقال مجاهد: ( { ولو ألقى معاذيره}) ولو جادل عنها فهو بصير عليها.
وليست الضحيّة (شابًّا كان أو فتاةً) هنا بمعذورة ولا ببعيدة عن اللوم والعتاب، بل يقع عليها من الذنب ما يقع عليه، كلاهما تغشّاه العمى؛ فهي مذنبة إذ استعذبت عيش الدّور فسمحت بوقوعه بل وواصلت فيه راضخة، وإذ تتلذذ بذكر أوجاعها وتضحياتها من بعد -التي تراها هي تضحيات في حين لم تكن إلاّ تنازلات مقيتة وخنوع-. وأسوأ عيشٍ هو العيش بمنطق الضحيّة والمظلوميّة. وإنّه لمرض في القلب وهوسٌ مقيت. وأذكر في هذا الباب نصًّا بليغًا للأستاذة عابدة أحمد كدور قالت فيه: "منشورات المرء ليست مرآةً تامَّةً له، والمحسِن للُّغة كتابةً أو تصويبًا أو إبداعًا ليس بالضَّرورة محسِنًا للخلق بما يستوجبُ حقوقَهم عليه. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة القيامة - الآية 14. والمنشغل بمتابعة كلِّ ذي ضجَّةٍ سيضيّع نفسَه في الفناءِ بغير بناء. وشهرة العوالم الإلكترونيَّة لا تزن مثقالَ ذرَّةٍ في الموازين الربَّانيَّة، إن كان خلف ذلك كلّه قلبٌ ظلَم وحكم بغير عدلٍ فما اتَّقى ولا وقى غيرَه أوجاعه. وإنِّي من غير منبر، وإن كاد يُسمَع نصحي لخطبت بإيقاف هذا الوهمِ الذي يصطنعه المتابعون لأحدِهم، فيضعونه في مقاماتٍ أكبر منه، ويزجّونه في مسائل لا يستطيع الفرارَ منها إلَّا بأحزمة الكذب والجهل والتصنُّع والتنطُّع، ولأيقظتُ وعي النَّاس تجاه الرِّيبة الدَّائمة من الدُّعاة الشَّباب الذين يعلو في حساباتهم صوت النِّساء على الرِّجال، أو الدُّعاة البنات اللَّواتي يعلو في حساباتهنَّ صوت الرِّجال على النِّساء، هذا ما يستدعي القلق وإعادة ضبط الموازين وفق ما يقتضيه شرعُ الله في الواقع أو في المواقع.
ومن فلان كيف وقع منه كيت وكيت ؟! وكيف فعل كيت وكيت، فيخرج اسمه في معرض تعجّبه!! 9- ومنهم من يخرجها في قالب الاغتمام، فيقول: مسكين فلان، غمنّي ما جرى له!! ، فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف لحاله!! وقلبه منطوٍ على التشفي به، ولو قدر لزاد على ما به!!! وربما يذكره عند أعدائه ليتشفّوا به، وهذا وغيره من أعظم أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقه. 10- ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر، فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول، وقصده غير ما أظهرهُ والله المستعان. القاعدة الرابعة: (بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) | موقع المسلم. فرحم الله شيخ الإسلام كأنما عاش بيننا اليوم... والسلام عليكم.
ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى. 2- تارة في قالب ديانة وصلاح فيقول ليس لي عادة أن أذكر أحداً إلا بخير، ولا أحب الغيبة ولا الكذب وإنما أخبركم بأحوال فلان فيقول: والله إنه مسكين، أو رجل جيد، ولكن فيه كيت وكيت وكيت. 3- ربما يقول: دعونا منه، الله يغفر لنا وله، وإنما قصده استنقاصه وهضماً لجنابه، ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة، يخادعون الله بذلك، كما يخادعون مخلوقاً، وقد رأينا منهم ألواناً كثيرة من هذا وأشباهه. 4- ومنهم من يرفع غيره رياءً فيرفع نفسه فيقول لو: دعوت البارحة في صلاتي لفلان لما بلغني عنه كيت وكيت، ليرفع نفسه بذلك، ويضعه عند من يعتقده. 5- أو فلان: بليد الذهن، قليل الفهم، وقصده مدح نفسه، وإثبات معرفته، وأنه أفضل منه. 6- ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة، فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة والحسد، وإذا أُثني على شخص أَزالَ ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح، أو في قالب حسد وفجور وقدح، ليُسقط ذلك الثناء عنه!! 7- ومنهم من يقع في الغيبة في قالب تمسخر ولعب. ليضحك غيره باستهزائه ومحاكاته واستصغاره للمستهزأ به!! 8- ومنهم من يخرج الغيبة في قالب التعجب. فيقول: تعجبّتُ من فلان كيف لا يعمل كيت وكيت ؟!
المسألة الرابعة: قوله تعالى: ولو ألقى معاذيره ومعناه لو اعتذر بعد الإقرار لم يقبل منه. وقد اختلف العلماء فيمن رجع بعدما أقر في الحدود التي هي خالص حق الله; فقال أكثرهم منهم الشافعي وأبو حنيفة: يقبل رجوعه بعد الإقرار. وقال به مالك في أحد قوليه ، وقال في القول الآخر: لا يقبل إلا أن يذكر لرجوعه وجها صحيحا. والصحيح جواز الرجوع مطلقا; لما روى الأئمة منهم البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد المقر بالزنا مرارا أربعا كل مرة يعرض عنه ، ولما شهد على نفسه أربع مرات دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: " أبك جنون ؟ " قال: لا. قال: " أحصنت ؟ " قال: نعم. وفي حديث البخاري: " لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ". وفي [ ص: 95] النسائي وأبي داود: حتى قال له في الخامسة " أجامعتها ؟ " قال: نعم. قال: " حتى غاب ذلك منك في ذلك منها " قال: نعم. قال: " كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر ". قال: نعم. ثم قال: " هل تدري ما الزنا " قال: نعم ، أتيت منها حراما مثل ما يأتي الرجل من أهله حلالا. قال: " فما تريد مني ؟ قال: أريد أن تطهرني. قال: فأمر به فرجم. قال الترمذي وأبو داود: فلما وجد مس الحجارة فر يشتد ، فضربه رجل بلحي جمل ، وضربه الناس حتى مات.
وقَدْ جَرَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ مَجْرى المَثَلِ لِإيجازِها ووَفْرَةِ مَعانِيها. وجُمْلَةُ (﴿ولَوْ ألْقى مَعاذِيرَهُ﴾) في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ المُبْتَدَأِ وهو الإنْسانُ، وهي حالَةُ أجْدَرُ بِثُبُوتِ مَعْنى عامِلِها عِنْدَ حُصُولِها. و(لَوْ) هَذِهِ وصْلِيَّةٌ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى (﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِن أحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا ولَوِ افْتَدى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١]) في آلِ عِمْرانَ. والمَعْنى: هو بَصِيرَةٌ عَلى نَفْسِهِ حَتّى في حالِ إلْقائِهِ مَعاذِيرَهُ. والإلْقاءُ: مُرادٌ بِهِ الإخْبارُ الصَرِيحُ عَلى وجْهِ الِاسْتِعارَةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى (﴿فَألْقَوْا إلَيْهِمُ القَوْلَ إنَّكم لَكاذِبُونَ﴾ [النحل: ٨٦]) في سُورَةِ النَّحْلِ. والمَعاذِيرُ: اسْمُ جَمْعِ مَعْذِرَةٍ، ولَيْسَ جَمْعًا لِأنَّ مَعْذِرَةً حَقُّهُ أنْ يُجْمَعَ عَلى مَعاذِرَ، ومِثْلُ المَعاذِيرِ قَوْلُهم: المَناكِيرُ، اسْمُ جَمْعِ مُنْكَرٍ. وعَنِ الضَّحّاكِ أنْ مَعاذِيرَ هُنا جَمْعُ مِعْذارٍ بِكَسْرِ المِيمِ وهو السِّتْرُ بِلُغَةِ اليَمَنِ يَكُونُ الإلْقاءُ مُسْتَعْمَلًا في المَعْنى الحَقِيقِيِّ، أيِ الإرْخاءِ.