وقد غلب عليه رحمه الله في السنوات الأخيرة من حياته التحرز الشديد من الفتيا والتباعد عنها، وكان إذا اضطره أحد إلى الجواب يقول: "لا أتحمل في ذمتي شيئًا، العلماء يقولون كذا وكذا"، ولما سئل عن ذلك أجاب بقوله: "إن الإنسان في عافية ما لم يبتل، والسؤال ابتلاء؛ لأنك تقول عن الله ولا تدري أتصيب حكم الله أم لا؟ فما لم يكن عليه نص قاطع من كتاب الله أو سُّنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب التحفظ فيه"، كما لم يكن رحمه الله ممن يأنف من إعلان رجوعه إلى الحق إذا تبين له ولو كان القول الذي رجع عنه قد أذاعه ونشره وانتصر له سنين متطاولة. ترك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي مجموعة من المؤلفات في الفقه والتفسير والمنطق والأنساب وغير ذلك، منها: نظم في أنساب العرب، سماه خالص الجمان في ذكر أنساب بني عدنان، ومنها رجز في فروع مذهب مالك يختص بالعقود من البيوع والرهون، ومنها ألفية في المنطق ونظم في الفرائض، ومنها رحلة الحج إلى بيت الله الحرام، ومنع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز، وآداب البحث والمناظرة، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، وغير ذلك من الكتب، ويُعد تفسير الشنقيطي متميزًا في بابه، حيث أودعه علومًا نافعة ومسائل محققَّة.
الشيخ المحقق الأصولي المفسر محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي (1325 - 1393هـ) [1] وقد أخبرني شيخنا ابن عثيمين أنه لما رحل مع والده وعمه للرياض أشار عليه شيخه: ابن سعدي - لما استشاره - بالدراسة في المعهد العلمي والذي فتح سنة 1371هـ ثم بكلية الشريعة بالرياض والتي تخرج منها منتسباً في دفعتها الثانية سنة 1377هـ وكان ترتيب الشيخ ابن عثيمين الثالث على زملائه [2] وعددهم عشرون طالباً. يقول رحمه الله: ((لما كنا طلاباً في المعهد بالرياض، وكنا في قاعة الدرس ننتظر من يدرسنا في مادة التفسير، فإذا بشيخ يدخل علينا، وكان رثَّ الهيئة في مظهره وملبسه، كأنه بدوي أعرابي، فقلت في نفسي ليس عند هذا علم، فكيف أترك شيخي عبد الرحمن السعدي في عنيزه وأضيع وقتي أمام أمثال هذا البدوي؟! فما هو إلا أن بدأ الشيخ الشنقيطي درسه، وكان في التفسير، حتى انهال علينا من الدرر العلمية والفوائد والشواهد في تفسير كلام الله بين الأدلة والشواهد العربية من بحر زاخر متلاطم، فعرفت أننا أمام عالم جهبذ وفحل من فحول العلماء، فأفدنا فائدة عظيمة من علمه وسمته وخلقه وورعه.. )). وقد استفاد شيخنا ابن عثيمين من شيخه الأمين الشنقيطي رحمهما الله فائدة جليلة في فنون: التفسير والأصول والعقيدة والعربية.
حبا الله الشيخ الشنقيطي ذكاءً مفرطًا، وحافظة نادرة، وهمة عالية، فسخر ذلك كله في تحصيل العلم وجمعه بمختلف فنونه وصنوفه، من عقيدة، وتفسير، وحديث، وأصول، وعربية... وكان كلامه في العلم يشد كل من سمعه، حتى يخيل للسامع أن الشيخ أفنى عمره في ذلك الفن ولا يحسن غيره. كما كان رحمه الله يحفظ من أشعار العرب وشواهد العربية الآلاف المؤلفة من الأبيات، كما كان يحفظ أكثر أحاديث الصحيحين، وألفية ابن مالك، ومراقي السعود، وألفية العراقي، وغير ذلك من المنظومات في السيرة النبوية ، و الغزوات ، والأنساب، والمتشابه من ألفاظ القرآن، وشيئًا من المتون في الفقه نثرًا ورجزًا.
وفي عام 1932 توقف قلب رجل جليل نذر حياته للعلم والتعليم و«حاول جاهدا أن يبدد ظلمة الجهل والخرافة والتعصب عن أفق المشرق العربي وليصبح هذا الرجل للجيل الجديد نبراسا يحتذى في الإقبال على العلم والإخلاص، وفي مقبرة الحسن البصري بالزبير دفن بعيدا عن وطنه قبل 83 عاما من اليوم».
موعد صلاة الشفع والوتر يمتد وقت صلاة الشفع والوتر منذ صلاة العشاء وحتى صلاة الفجر حيث يمكن صلاتها في الثلث الأول من الليل أو الثاني أو الثالث، ويفضل في صلاة الشفع والوتر أن يصلى المسلم بـ «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلى»، وفي الثانية « قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ»، وفي الثالثة « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ». المأخوذ عن السنة في صلاة الشفع والوتر روى أبو داود والنسائي وغيرهما عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر»، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام».
وكان ابن أم مكتوم رجلًا أعمى لا ينادي حتى يُقال له: أصبحتَ، أصبحتَ. ما هو موعد أداء صلاة التهجد وما حكمها؟ | سما الأردن الإخباري. وبما ذكرنا يتضح لكم أن وقت الوتر ينتهي بأول الأذان إذا كان المؤذن يتحرَّى الصبح في أذانه، لكن إذا أذَّن المؤذن والمسلم في الركعة الأخيرة أكملها لعدم اليقين بطلوع الفجر بمجرد الأذان، ولا حرج في ذلك إن شاء الله. ومَن فاته الوتر شرع له أن يُصلي عادته من النهار، لكن يشفعها بركعةٍ، فإذا كانت عادته ثلاثًا صلى أربعًا، وإذا كانت عادته خمسًا صلى ستًّا، وهكذا يُسلم من كل اثنتين؛ لما ثبت في "صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي ﷺ إذا فاته وتره من الليل لمرضٍ أو نومٍ صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. وكانت عادته ﷺ الغالبة الإيتار بإحدى عشرة ركعة، فإذا شُغل عنها بمرضٍ أو نومٍ صلى ثنتي عشرة ركعة كما قالت عائشة رضي الله عنها يُسلِّم من كل اثنتين؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله ﷺ يُصلي من الليل عشر ركعات، يُسلِّم من كل اثنتين، ويُوتر بواحدة ، متفق على صحته. ولقول النبي ﷺ: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى [5] رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسنادٍ صحيحٍ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وأصله في الصحيحين بلفظ: صلاة الليل مثنى مثنى [6] كما تقدم في أول هذا الجواب.
- ووردت صيغة دعاء القنوت عند الشافعي رحمه الله: «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت ، ولايعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت». - وورد عن أبي حنيفة رحمه الله صيغته:« اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك ،إن عذابك الجد بالكفار ملحق ". ويكون في الوتر فقط وعند النوازل والمصائب في الصلوات الخمس، ويكون قبل الركوع من الركعة الأخيرة. ووافق مالك رحمه الله أبا حنيفة في المحل أنه قبل الركوع، ولكن في الصبح وسراً».
السؤال: من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم (م. ع) حفظه الله من كل سوءٍ، آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ في 16/ 2/ 1409هـ، وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق، وما تضمنه من الأسئلة كان معلومًا، وهذا نصها وجوابها: س: صلاة الوتر نهايتها هل هي عند ابتداء الأذان -أذان الفجر- أم نهاية الأذان؟ وإذا نام عنها هل تُقضى؟ وكيف؟ الجواب: المشروع لكل مؤمن ومؤمنة الإيتار في كل ليلةٍ، ووقته ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصبح صلَّى ركعةً واحدةً تُوتر له ما قد صلى [1]. وروى مسلم في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ أنه قال: أوتروا قبل أن تُصبحوا [2]. وخرَّج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الحاكم عن خارجة بن حذافة عن النبي ﷺ أنه قال: إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم قلنا: يا رسول الله ما هي؟ قال: الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر [3]. والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي دالة على أن الوتر ينتهي بطلوع الفجر، وإذا لم يعلم المصلي طلوع الفجر اعتمد على المؤذن المعروف بتحري الوقت، فإذا أذَّن المؤذن الذي يتحرَّى وقت الفجر فاته الوتر، أما مَن أذَّن قبل الفجر فإنه لا يفوت بأذانه الوتر، ولا يحرم به على الصائم الأكل والشرب، ولا يدخل به وقت صلاة الفجر؛ لقول النبي ﷺ: إن بلالًا يُؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم [4] متفق على صحته.