عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يدخل الجنة أقوام أفئدتهم كأفئدة الطير»؛ (مسلم)؛ قال النووي: قيل: معناه متوكلون، وقيل: قلوبهم رقيقة طاهرة مؤمنة، أقوام يطيرون إلى الخير طيرًا، لا توقفهم شدة، ولا يحجبهم خَطب، ولا يمنعهم كلل ولا ملل. عندما يتحدث الله عن السعي إلى الرزق، وأكل العيش والعمل في الدنيا؛ يقول: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]. ولما يتحدث الله عن المغفرة والجنة والآخرة، قال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]. أما إذا كان الأمر مع الله وفي الله ولله؛ فيقول تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50]. تجد المشي والتؤدة في عمل الدنيا، والمسارعة في عمل الآخرة، والفرار إلى الله؛ فهو الأمن والأمان، وهو تعالى القاهر الغالب، القوي المتين، الخالق الرازق، المحي المميت، المعز المذل، المانع المانح. فإياكم أن تضيعوا حياتكم وأوقاتكم فيما لا يفيد في شهر الطاعات والقربات، إياكم والأفلام والمسلسلات التي تقتل الأوقات، وتغضب رب الأرض والسماوات، لا تضلوا الطريق إلى جنة عرضها السماوات والأرض، بل صححوا الطريق بالعمل لله، والإخلاص لله وحده، لا لأحد سواه.
11 – باب يدخل الجنة أقوام، أفئدتهم مثل أفئدة الطير 27 – (2840) حدثنا حجاج بن الشاعر. حدثنا أبو النضر، هاشم بن القاسم الليثي. حدثنا إبراهيم (يعني ابن سعد). حدثنا أبي عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال "يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير". 28 – (2841) حدثنا محمد بن رافع. حدثنا عبدالرزاق. أخبرنا معمر عن همام بن منبه. قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خلق الله عز وجل آدم على صورته. طوله ستون ذراعا. فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر. وهم نفر من الملائكة جلوس. فاستمع ما يجيبونك. فإنها تحيتك وتحية ذريتك. قال فذهب فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. قال فزادوه: ورحمة الله. قال فكل من يدخل الجنة على صورة آدم. وطوله ستون ذراعا. فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن".
فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك» ؟ قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك» ؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا)). هذا من أجل الآخرة والفوز بالجنة، أما الذين يصارعون من أجل الدنيا، ويسارعون من أجل حطامها، فقد قيل لأبي هريرة: يا أبا هُريرة، أتبكي على الدنيا؟ فقال: لا والله، دُنياكم هذهِ لا تُبكيني، إنَّما أبكي من ثِقَلِ الحِمْل، وسوء الرفيق، ومن قلةِ الزاد، وبعد الطريق... أبكي خوفًا من أسقُط يوم القيامة من على الصراط ولا أدخل الجنة، وددت لم أُخلق. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يدخل الجنة من أمتي زمرة هي سبعون ألفًا تضيء وجوههم إضاءة القمر، فقام عكاشة بن محصن الأسدي يرفع نَمِرة عليه، قال: ادعُ الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم، فقال: اللهم اجعله منهم، ثم قام رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبقك عكاشة». فارفع همتك أيها المسلم، وكن من أول الناس في فعل الخيرات، وبذل الطاعات؛ لكسب الحسنات، فلا حياة إلا حياة الآخرة: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64]، ولا نعيم إلا نعيم الجنة، فسابق إلى ربك، وسارع إليه، وشمر ولا تتخلف، واتعب ساعة في الدنيا خير من عذاب الأبد في الآخرة.
حديث «يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير» تاريخ النشر: ١٦ / جمادى الآخرة / ١٤٢٦ مرات الإستماع: 34705 يدخل الجنة أقوام أفئدتهم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فهذا هو الحديث الرابع في باب اليقين والتوكل، وهو: حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: يدخل الجنةَ أقوامٌ أفئدتهم مثل أفئدة الطير [1] ، رواه مسلم. فهؤلاء ذكر النبي ﷺ صفتهم، وذكر جزاءهم، وهو دخول الجنة، مما يُشعر -والله تعالى أعلم- أن ذلك مما سبّب دخولهم الجنة. والجنة لها أبواب، فلربما دخلها الإنسان من باب الصيام، ولربما من باب الصدقة، ولربما من غير ذلك، فالمقصود أن ذكر مثل هذه الصفة، ثم ذكر هذا الجزاء وهو دخول الجنة لربما يُشعر أن هؤلاء إنما دخلوها بسبب ما تميزوا به من هذه الصفة، وهي أن أفئدتهم مثل أفئدة الطير. والفؤاد هو القلب على الأشهر من كلام أهل العلم، وإنما قيل له الفؤاد لكثرة تفؤُّده، أي: توقده بالمعاني والخواطر والأفكار، فهو لا يتوقف، ويقال له القلب قيل: لأنه كثير التقلب، أشد تقلباً من القِدر إذا استجمعت غلياناً، إذا كان فيها سائل، فيها ماء ثم بعد ذلك صارت تغلي فإن هذا القدر السائل الذي فيه يتقلب، فالقلب هكذا كثير التقلب والتحول.
- أن يحب ويبغض ويعطي ويمنع لله... ردود أفعاله ينبغي أن تكون متزنة دون إفراط أو تفريط... وفقا للضوابط الشرعية. - كذلك من أعظم المعاني في هذا الحديث أن صفة التوكل من أعظم ما نتعلمه من الطير، فالطير تحقق التوكل الكامل والصادق ، فلا أسباب لها تعتمد عليها إلا السعي، لذلك على الأمة أن تعلم أنه كلما تحققت في القلب منزلة التوكل ،كلما تحققت الكفاية من الله والنصرة لهذه الأمة،وتأمل معي في قوله تعالى:"ومن يتوكل على الله فهو حسبه ". - فهي معادلة كلما زاد التوكل زادت الكفاية والحماية... وكلما قل التوكل الحقيقي قلت الكفاية... وتخلف النصر... ووكلنا الله إلى أنفسنا وأعدائنا... فعلى عموم الأمة أن تعيد حساباتها في قضية التوكل. - وهذا المعنى جاء واضحا جليا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب،فيما رواه الترمذي:" لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً ". - فأزمة الأمة الحقيقية في حسن التوكل على الله عز وجل... وهو أمر في غاية الأهمية... فعلى الدعاة والأئمة،والمصلحين والمفكرين،أن يحيوا في الأمة معاني التوكل الحقيقية... مع الأخذ الأسباب الممكنة و المتاحة... لأننا لا نشك بحال في كفاية الله لعباده المؤمنين،وقد قال سبحانه:"أليس الله بكاف عبده".
وفي هذا القول ، وذاك التشبيه ، معنيان: المعنى الأول: (أفئدتهم مثل أفئدة الطير) ، أي: في التوكل على الله -جل جلاله-، وهذا يدل على منزلة التوكل. والمقصود: أن أصحاب الجنة في توكُّلهم على الله مثل الطير التي هي أعظم المخلوقات توكلاً على الله، تجدها يخرج في الصحراء لا تدري هل تَلقى حَبًّا أم لا، فيملأ الله بطنها طعامًا بدون حيلة، وأما المعنى الثاني الذي يحتمله الحديث: فهو أن أصحاب الجنة قلوبهم رقيقة، فذلك يضرب للقلب الرقيق، فلان قلبه كقلب الطائر، يعني: أن قلبه قلب رقيق لا قساوة فيه، ولا صلابة. ويقول النووي معلقًا على هذا الحديث: المعنى: أنها ذات خشية واستكانة، سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير، سالمة من الشدة والقسوة والغلظة ، ويشير إلى حديث أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: « أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ ، أَضْعَفُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً ، الْفِقْهُ يَمَانٍ ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ » رواه البخاري. فهناك علاقة بين الرقة والإيمان والحكمة والفقه، ولهذه الرقة النابعة من الإيمان سمات كثيرة، وهي تشمل كل المؤمنين – رجالاً ونساءً، وشبابًا وأطفالاً – وهي: سرعة التأثر وسَرعان ما تذرف العين ، وسرعة الاستجابة للحق ، وسرعة الاتعاظ والتذكير، وكُره الظلم بشدة، وكذا التفاعل مع مَن حوله، والاهتمام بمشاعرهم فرحًا وحزنًا.