والعافية: السلامةُ من العُيوبِ والآفات، وتأمينُ اللهِ لعبده من كلِّ نِقمةٍ ومِحنة، بصرف السُّوء عنه، ووقايتِه من البلايا والأسقام، وحِفْظِه من الشرور والآثام. وأنْ يرزقه الصبرَ، والرِّضا، والاحتساب عند نزول الآفات. والعافية في الدِّين: طلب الوقاية من كلِّ أمرٍ يشين الدِّين، أو يُخِلُّ به؛ كالشرك، والمعاصي، والابتداع، وتركِ ما يجب، والتَّساهلِ في الطاعات. والعافية في الدُّنيا: طلب الوقايةِ من شرورها، ومصائبِها، وكلِّ ما يضر العبدَ من مصيبةٍ، أو بلاءٍ، أو ضَرَّاء. سلوا الله العفو والعافية (خطبة). والعافية في الآخرة: طلب الوقايةِ من أهوال الآخرة، وشدائدها، وما فيها من أنواع العقوبات. والعافية في الأهل: وِقايتُهم من الفِتن، وحمايتُهم من البلايا والمِحن، والأمراضِ والأسقام. والعافية في المال: السَّلامة من الآفات التي تَحْدُثُ فيه، وحِفْظُه مِمَّا يُتلِفه؛ من غرقٍ، أو حريقٍ، أو سرقةٍ، ونحو ذلك. فجَمَعَ في ذلك سؤالَ اللهِ الحِفظَ من جميع العوارض المُؤذِية، والأخطارِ المُضِرَّة. • وقوله: «اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي»: العورة: كلُّ ما يُستَحَى من إظهاره، وأصْلُها من العار، وهو المَذَمَّة. والمعنى: اللهم اسْتُرْ عُيوبي وخَلَلِي وتقصيرِي، وكلَّ ما يسوؤنِي كشفُه، ويدخل في ذلك الحِفْظُ من انكشاف العورة للرجل والمرأة على حدٍّ سواء.
قال ابن كثير - رحمه الله -: (فِي هَذا الْحَدِيثِ: الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ جِهَاتِهِ كُلِّهَا). فالمرء بحاجة إلى حِصْنٍ من هذا العدو، وَوَاقٍ له من كَيدِه وشَرِّه، وفي هذا الدعاء العظيم تحصينٌ للإنسان أنْ يَصِلَ إليه شَرُّ الشيطان من أيِّ جهةٍ من الجِهات؛ لأنه في حِفْظِ اللهِ وكَنَفِه ورِعايتِه، فَلْنُحافِظْ على هذا الدعاء المبارك. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ الْتامَّةَ لَنَا، وَلِأَحِبَّائِنا، وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
قال الحاكم: صحيح الإسناد، وهو كما قال: فقد سكت عليه أبو داود ولم يذكره له النسائي علة، وصححه ابن حبان، ورجاله ثقات. وأما قول الحافظ ابن حجر: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبادة بهذا السند. فإن قوله: غريب، فواضح؛ إذ لم يروه عن ابن عمر إلا جبير، ولا عن جبير إلا عبادة، وأما قوله: حسن؛ فلعله لقول ابن حبان في عبادة: منكر الحديث على قلته، ساقط الاحتجاج بما يرويه.... ((المجروحين)) (2/ 173، 174). قلت: ولعل مرجع هذا القول لابن حبان، ومعتمده إنما هو لرواية عبادة عن أبي داود نفيع الأعمى وهو كذاب، فألزق ابن حبان مناكير نفيع الأعمى بعبادة فأطلق فيه هذا القول، والله أعلم. وانظر: ((تعليقات الدارقطني على المجروحين)) (259). وأما عبادة: فثقة في نفسه، وثقه وكيع وابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان أيضاً في ((الثقات))، وصحح له الترمذي. (( التاريخ الكبير)) (6/ 95)، و((الجرح والتعديل)) (6/ 96)، و((الثقات)) (7/ 160)، و((التهذيب)) (4/ 202). قلت: وقد رواه يونس بن خباب عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس بنحوه مرفوعاً. أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (698) [وقد تصحف عنده (ابن عباس) إلى (ابن عمر)]، والبزار ((3196 – كشف الأستار))، والطبراني في ((الدعاء)) (1297)، والمستغفري في ((الدعوات)) كما في ((داعي الفلاح)) (ص37).
سَلُوا اللهَ العفوَ والعافيةَ الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمَّا بعد: حَرِيٌّ بالمؤمن أنْ يُحافِظَ على أذكار الصباح والمساء؛ تجديداً للإيمان، وتقويةً لِصِلَتِه بالله تعالى، واعترافاً بِنِعَمِ الله عليه، واعتماداً على الله تعالى دون ما سواه، وإقراراً وإذعاناً بربوبيته وألوهيته تبارك وتعالى.