Embed from Getty Images
وما كادوا ينتهون من أكلتهم المشئومة حتى أظلمَ الجو، وحجبَ عنهم ضوء الشمس طائران كبيران، كانا والديّ الفرخ، واللذان صاحا في جزع بعدما رأيا ما حلّ بفرخهما، وقررا الانتقام لما حدث له. جرى السندباد ورفاقه مُسرعين نحو المركب، وساروا به بأقصى سرعة للهرب من الطائرين الغاضبين، ولكن الطائرين لحقا بهم يحمل كل منهما في مخلبه صخرة عظيمة، ألقيا بها على المركب الذي تحطم، وهوى إلى جوف البحر بما فيه من المتاع والناس. ولحسن حظ السندباد نجا من الغرق بعد أن تعلق بلوح خشبي قريب منه، كما جاء في كتاب «رحلات السندباد البحري»، لمؤلفه كامل كيلاني. 2. النسناس عند العرب العرب. وحش «النسناس» الأسطوري
نعلم أن النسناس نوع من القرود، إلا أن الأساطير العربية تروي عن كائن مخيف يُدعى النسناس، بنصف رأس، ونصف جسد، ويقفز قفزات عملاقة بقدم واحدة، وينقض على البشر ويقتلهم. ويروي المؤرخ العراقي جواد علي، في كتابه «المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام»، من الأساطير التي تروى عن أسطورة النسناس، فيحكي عن قوم اسمهم «وبار» يُروى أنهم «من ولد النسناس بن أميم بن عمليق بن يلمع بن لاوذ بن سام، كانوا في الأصل بشرًا، فجعلهم الله نسناسًا، للرجل منهم نصف رأس ونصف وجه، وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة، وصاروا يرعون كما ترعى البهائم، ويقفزون قفزًا شديدًا ويعدون عدوًا منكرًا».
- النسناس عند العرب العرب
النسناس عند العرب العرب
تواصل تنقيب أعواد الملوخية. ثم استعرضت أمامنا طبقاً من الكعك المنزلي. تتمنى أن نتذوّق مثل هذا الكعك في بيتها عن قريب. نودّع أم إلياس. يغادرنا وجهها المبتسم والطافح بالبهجة. يقف حسن في قلب الشارع. نواصل حديثنا فيما عدسات عيوننا تحاول أن تختزن ما يمكنها من مشاهد قبل أن نغلق الشاشة. انتهت الجولة. لُذت لصمتي. عشر دقائق لا غير في جولة أشبه بالحلم لحيفا ووادي النسناس. لم يسعنا الوقت بالمزيد. كانت مجرد لحظات مسروقة من بين فكّي الزمن. كنّا على موعد مع حيفا ووادي النسناس وحسن وأم إلياس. أحقًا كنّا في حيفا قبل لحظات ونحن الذين لم يتسنى لنا يوماً أن نراها؟ وإذا بالسجن الذي صُمِّم ليقصينا عن الحياة الطبيعية، هو ذاته من مكّننا من رؤية حيفا. لقد أهدانا السجن حيفا، وبعضاً من أهلها الطيّبون المنزرعون بكل شموخ وإصرار في بلدهم ولم يفت في عضدهم كل إجراءات القمع العنصرية. وحش «القُطرُب» وطائر الرُّخ.. أساطير عربية مدهشة ربما لم تسمع بها من قبل - ساسة بوست. أما أم إلياس فقد كانت تختصر المرأة الفلسطينية التي تمتد جذورها عميقاً في البلاد. لم تكن أُم إلياس مجرّد امرأة تبيع الخضار في بقالة، كانت رمزاً يختصر التاريخ ويذكّر كل من يهمّه الأمر في أزمنة البلاد وتقلّباتها. أم إلياس ابنة حيفا. تقف في وادي النسناس مثل شجرة باسقة معمّرة وتُحادث أسيراً في سجون الاحتلال.
كان صوتها دافئاً وصادقاً. صوتاً يختزن اللهجة الفلسطينيّة القديمة كما تختزن الصدفة ذاكرة البحر. أم إلياس الفلسطينيّة الحيفاويّة. يظلّ يشدّني شوق وحنين جارف لحيفا. لاسمها ألق يلمع في الفؤاد. أدمن على مهاتفة حسن. ذات ظهيرة وجدته في البيت، قال لي: سأريك البحر. ارتبك القلب من هول وقع جمال البحر. ارتجف الهاتف في يدي وأنا أرى الأزرق الممتد أمامي. بشساعته وأمواجه المتراقصة بهدوء. كيف لك أن تخفي الدهشة وأنت ترى بحر حيفا أمامك ولا تنظم شعراً على بحر الانبهار. ها هو البحر إذاً. حيفا التي لم يتسنّى لنا أن نراها عيانا ونطأ ترابها ونسبح في بحرها، ها نحن نراها عن بعد ومن قلب الأسر! لمع برأسي سريعاً مشهداً منذ القدم، تخيّلت السفن الكنعانيّة بأعلامها الأرجوانيّة وهي تجوب البحر، وسفن لغزاة قادمين من البعيد... وتراءت في مخيّلتي إليسار وهي تُبحر لتبني مدينة قرطاج على الساحل التونسي... إنّه بحر الذاكرة، بحر الحروب والغزوات... وبحر التاريخ. إنّه بحر حيفا. رغبت أن يشاركني أحد من رفاقي بهجة مشاهدة البحر لئلا أُصاب بالدوار. أهتف لمنذر الذي لم يلبث أن جاء مسرعاً. راح يتأمل معي بحر حيفا بصمت. النسناس عند العربي. تتّسع مساحة الدهشة والسعادة والانبهار في القلب.