انتهى كلام ابن حجر. وفيما تقدم بشارة أي بشارة! فمن لم يتمكن من بناء المسجد بانفراده فعليه أن يساهم في بنائه بقدر ما يستطيع، ومن لم يستطع المساهمة -أيضًا- يحاول أن يرتب مكانًا مناسبًا في الطرقات يتمكن المسافر من أداء الفريضة فيه، فيشمله الوعد بإذن الله تعالى، المهم أن يخلص العمل، ويقدم على قدر استطاعته، فالمجال مفتوح أمام الجميع، ولكن يتنبه لقضية الإخلاص لله تعالى، فلا يبني المسجد رياء ولا مباهاة وفخرًا، وإلى هذا أشير في الحديث (مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا)، لأن قبول العمل متوقف على إخلاص صاحبه. وكان السلف يشددون على قضية الإخلاص، قَالَ اِبْن الْجَوْزِيِّ مَنْ كَتَبَ اِسْمَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي يَبْنِيه كَانَ بَعِيدًا مِنْ الْإِخْلَاصِ. فضل بناء المساجد. (فتح الباري) بناء المساجد يعتبر من الصدقة الجارية التي يجري أجرها للعبد بعد ما ينقطع عمله بالموت، أخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ، إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)). روى البزار (1/149) من حديث أنس مرفوعًا: ((سبع يجري للعبد أجرها بعد موته وهو في قبره، من علم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجدًا، أو ورث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته)).
مكان للذكر حيث إن المساجد هي واحدة من أهم الأماكن التي يتم ذكر الله فيها حيث كانوا العلماء والفقهاء قديمًا يقوموا بالاجتماع سويًا معًا من أجل ذكر الله، وتلاوة القرآن وتلقي العلم وإعطاء الدروس للطلبة المسلمين في الشريعة الإسلامية وكل فروعها حيث إن تلك الأماكن هي مناسبة بشكل كبير لنزول السكينة والهدوء على قلوب الجالسين بها حيث إنها تحف بالملائكة من كل اتجاه. مكان للتكافل الاجتماعي مقالات قد تعجبك: هو مكان قوي من أجل عملية التكافل الاجتماعي لأنها مسكن وبيت لمن ليس له منزل حيث كانت قديمًا يتم الاعتماد عليها من أجل سكن الفقراء والمحتاجين بها، وبالتالي المسجد له وظيفة كبيرة وهي أنها مكان للتكافل الاجتماعي والتراحم بين المسلمين بعضهم البعض كما إن يصح بها أن يتم عملية اجمع الزكاة والصدقات وتوزيعها على المحتاجين والمساكين. مكان تنزل منه الرحمة المساجد هي منازل لها دور كبير في نزول الرحمة والسكينة في قلوب المسلمين الزائرين لها حيث إنه مكان مناسب يعمل على نزول الرحمات والسكينة بها، فهو أيضًا مكان مناسب من أجل الدعاء وتقبله بشكل دائم ومستمر وبالتالي هناك ثواب كبير وقوي لمن يقوموا ببناء مساجد للمسلمين من أجل الصلاة بها والتضرع لها.
انتهى. وفي الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: « مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ ». قال النووي في بيان عظمة هذا الثواب: يَحْتَمِل قَوْله: مِثْله، أَمْرَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ: بَنَى اللَّه تَعَالَى لَهُ مِثْله فِي مُسَمَّى الْبَيْت، وَأَمَّا صِفَته فِي السَّعَة وَغَيْرهَا فَمَعْلُوم فَضْلهَا أَنَّهَا مِمَّا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعْت وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر. قصص عن فضل بناء المساجد. الثَّانِي أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ فَضْله عَلَى بُيُوت الْجَنَّة كَفَضْلِ الْمَسْجِد عَلَى بُيُوت الدُّنْيَا. انتهى. والله أعلم. 138 35 278, 432
وَهَذَا كُلّه بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ مَا يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ, وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُتَّخَذُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ, لأن قوله (بنى) يشعر بوجود بناء على الحقيقة، ويؤيده قوله في رواية أم حبيبة ((من بنى لله بيتا)) أخرجه سَمْوَيْهِ فِي فَوَائِدِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (قاله الحافظ). وأبدى الحافظ ابن حجر فائدة أخرى من قوله (مسجدًا) وهي أنه يدخل فيه حتى موضع السجود مجازًا، وهو ما يسع الجبهة، قال ابن حجر بعد ما ذكر قول الأول في معنى قوله r (مسجدًا): "لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ إِرَادَة الْآخَر [أي موضع السجود] مَجَازًا, إِذْ بِنَاءُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ, وَقَدْ شَاهَدْنَا كَثِيرًا مِنْ الْمَسَاجِدِ فِي طُرُقِ الْمُسَافِرِينَ يُحَوِّطُونَهَا إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَهِيَ فِي غَايَةِ الصِّغَرِ وَبَعْضُهَا لَا تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدَرِ مَوْضِعِ السُّجُودِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَة نَحْو حَدِيث عُثْمَان وَزَاد: قُلْت وَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الطُّرُقِ ؟ قَالَ نَعَمْ. فضل بناء المساجد حديث خامس. وَلِلطَّبَرانِيّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِرْصَافَة وَإِسْنَادُهُمَا حَسَن".