وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ، وحينما كبرت مريم عليها السلام، وأصبح بأستطاعتها القيام بخدمة الدير وهو مكان العبادة، حرص الرهبان على كفالتها، واقترعوا في ما بينهم بأن توضع الأخشاب في النهر، وكان اتفاق بينهم على أن الشخص التي تبقى خشبته في النهر، هو من يكون جدير بكفالتها وكان من بينهم زكريا عليه السلام الذي بقيت خشبته في النهر فعلموا أن كفالة مريم أصبحت من نصيبه، وأن هذه هي مشيئة الله. دخول زكريا على مريم المحراب كانت مريم عليه السلام في محرابها منعزلة عن العالم الخارجي مختليه بنفسها لعبادة الله وكان زكريا عليه السلام كلما دخل عليها عليها المحراب، وجد عندها الطعام حيث أنه يجد فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، وعندما سألها عن مصدر هذا الطعام أجابته عليها السلام: {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، فعندها {دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ. قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً.
اقرأ أيضاً أنواع الأموال الربوية أنواع الربا قصة يحيى عليه السلام في القرآن الكريم هو يحيى بن زكريا بن داوود، وصِلت القرابة بينه وبين عيسى -عليهم السلام- أنهم أبناء خالة ولم يسبق لأحد أن سمى بمثل اسمه وليس له نظير ولا مثيل فيه، ونسبه هو امتداد ليعقوب -عليه السلام-. [١] ولادته لما بلغ بسيدنا زكريا -عليه السلام- الكبر توجه إلى الله -تعالى- أن يرزقه غلاماً وكانت زوجته عاقراً لا تلد، ولما رأى فضل الله على مريم -عليها السلام- دعا الله فاستجاب له ووهبه يحيى -عليه السلام- وسماه بذلك بشرى لوالديه، حتى يعمر ويعيش طويلاً، وهي بشارة على أن قلبه يحيى بالمحبة، وجسده بالطاعة. [٢] ولسانه يلهج بالذكر، وولد -عليه السلام- قبل ميلاد المسيح بأشهر، وقد كان حسن الصورة وليّن الجناح، قوياً في طاعة الله -تعالى- وكان في صباه ذا حكمة ويدعوهم إلى عبادة الله قال -تعالى-: ( يا يَحيى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيناهُ الحُكمَ صَبِيًّا). [٣] [٢] نشأته خلق الله يحيى -عليه السلام- سيداً وحصوراً بمعنى أنه يمنع نفسه من الشهوات، وقد خُلق يحيى -عليه السلام- سيداً وكريماً ونبياً مرسلاً، وعاش حياته فقيراً، وكان ذا حكمة بالغة في صباه باراً بوالديه، ولم يكن شقياً، قال -تعالى-: ( وَبَرًّا بِوالِدَيهِ وَلَم يَكُن جَبّارًا عَصِيًّا).
وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، فان مثل ذلك كمثل رجل طلبه أعداؤه فأسرع لحصن حصين فأغلقه عليه.. وأعظم الحصون ذكر الله.. ولا نجاة بغير هذا الحصن. مواجهة الملك: كان أحد ملوك ذلك الزمان طاغية ضيق العقل غبي القلب يستبد برأيه، وكان الفساد منتشرا في بلاطه.. وكان يسمع أنباء متفرقة عن يحيي فيدهش لأن الناس يحبون أحدا بهذا القدر، وهو ملك ورغم ذلك لا يحبه أحد. وكان الملك يريد الزواج من ابنة أخيه، حيث أعجبه جمالها، وهي أيضا طمعت بالملك، وشجعتها أمها على ذلك. وكانوا يعلمون أن هذا حرام في دينهم. فأرد الملك أن يأخذ الإذن من يحيى عليه السلام. فذهبوا يستفتون يحيى ويغرونه بالأموال ليستثني الملك. لم يكن لدى الفتاة أي حرج من الزواج بالحرام، فلقد كانت بغيّ فاجرة. لكن يحيى عليه السلام أعلن أمام الناس تحريم زواج البنت من عمّها. حتى يعلم الناس –إن فعلها الملك- أن هذا انحراف. فغضب الملك وأسقط في يده، فامتنع عن الزواج. لكن الفتاة كانت لا تزال طامعة في الملك. وفي إحدى الليالي الفاجرة أخذت البنت تغني وترقص فأرادها الملك لنفسهن فأبت وقالت: إلا أن تتزوجني. قال: كيف أتزوجك وقد نهانا يحيى. قالت: ائتني برأس يحيى مهرا لي.
قال يحيي: استغفر لي يا عيسى. أنت خير مني. قال عيسى: بل أنت خير مني.. سلمت على نفسي وسلم الله عليك. تشير القصة إلى فضل يحيي حين سلم الله عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا. ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوما فوجدهم يتذاكرون فضل الأنبياء. قال قائل: موسى كليم الله. وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته. وقال قائل: إبراهيم خليل الله. ومضى الصحابة يتحدثون عن الأنبياء، فتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام حين رآهم لا يذكرون يحيي. أين الشهيد ابن الشهيد؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب. أين يحيي بن زكريا؟ نشأته: ولد يحيي عليه السلام.. كان ميلاده معجزة.. فقد جاء لأبيه زكريا بعد عمر طال حتى يئس الشيخ من الذرية.. وجاء بعد دعوة نقية تحرك بها قلب النبي زكريا. ولد يحيي عليه السلام فجاءت طفولته غريبة عن دنيا الأطفال.. كان معظم الأطفال يمارسون اللهو، أما هو فكان جادا طوال الوقت.. كان بعض الأطفال يتسلى بتعذيب الحيوانات، وكان يحيي يطعم الحيوانات والطيور من طعامه رحمة بها، وحنانا عليها، ويبقى هو بغير طعام.. أو يأكل من أوراق الشجر أو ثمارها. وكلما كبر يحيي في السن زاد النور في وجهه وامتلأ قلبه بالحكمة وحب الله والمعرفة والسلام.
و قد جعل الله سبحانه هذا الطّفل مميزاً عن أقرانه، فهو عطيّة الله سبحانه وهو ثمرة استجابة الدّعاء من نبيٍّ صالحٍّ صبر كثيراً حتى نالها، فكان يحيى معجزةً في ولادته من أبٍ شيخٍ كبيرٍ وأمٍّ عاقرٍ لا تلد، وكذلك قد تكلّم الله عنه بأنّه لم يكن له سميّا أي شبيه، فقد أمر سيّدنا يحيى عليه السّلام بأن يتمسّك بكتاب الله التّوراة وأن يأخذها بقوةٍ، وقد آتاه الله الحكم صبياً فكان لا ينشغل كغيره من الفتيان باللّعب بل كان همّه الانعكاف على دراسة التّوراة ودعوة النّاس إلى دين الله والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. و قد كان في عصر سيّدنا يحيى عليه السّلام ملكٌ فاجرٌ لا يخاف الله، وقد حدث أن رغب هذا الملك بأن يتزوّج بنت أخيه وكان هذا الأمر مخالفٌ في شريعتهم كما في كلّ الشّرائع التي أنزلها الله، فذهبوا إلى يحيى ليجيز لهم ذلك بفتوىً باطلةٍ، فأبى سيّدنا يحيى ذلك فظلّ الملك حانقاً عليه حتى حانت له الفرصة في أحد اللّيالي وقد كانت بنت أخيه وهي راقصةٌ فاجرة تغنّي وتحيي اللّيل بالرّقص والغناء، فإذا بالملك يراودها عن نفسها فتأبى إلّا أن يكون ذلك بعد الزّواج وتطلب رأس يحيى مهراً لها، فيلبّي الملك الفاجر طلبها لتقطع الرّأس الطّاهرة وتقدّم للبغيّ على طبقٍ من ذهبٍ.