الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعدُ: فمما أورد المصنف -رحمه الله- في باب فضل الذكر مما يقال قبل السلام: ما جاء عن معاذ أن رسول الله ﷺ أخذ بيده، وقال: يا معاذ، والله إني لأحبك فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك [1] ، رواه أبو داود بإسناد صحيح. قوله: "أن رسول الله ﷺ أخذ بيده" هذا لا شك أنه يدل على مزيد عناية، وأيضًا يكون فيه من تهيؤ المخاطب وحضور قلبه ما لا يكون بغيره.
قال: تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك هذه ثلاثة أشياء، فالذكر والشكر كما يقول ابن القيم -رحمه الله-: عليهما تدور قاعدة الدين، وأن مطالب الخلق ترجع إلى هذين الأمرين، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن هذا الدعاء أنه أجمع الدعاء وأنفعه، وبيّن الحافظ ابن القيم -رحمه الله- في عدد من كتبه: كالفوائد، والوابل الصيب، وغير ذلك معاني يمكن أن تبين هذا المراد، وذلك أن الإنسان إذا أعين على ذكر الله ، فإن الذكر هنا يتضمن ذكره بكلامه، وهو القرآن، كما يتضمن أيضًا ذكره بالقلب كاستحضار عظمته ومراقبته، والخوف منه، ومحبته، والتوكل عليه، ورجاءه؛ إلى غير ذلك من أعمال القلوب.
والإيمان وهو انقياد الباطن وإقراره.
فإذا أعين الإنسان على هذا هذه الثلاث، فقد بلغ أرقى مراتب العبودية، والإنسان أحيانًا يفكر كثيرًا في أجمع الأدعية، وقد يرجع إلى هذا، يحاول الإنسان أن يستحضر أجمع الدعاء فيقوله دائمًا، ولكنه قد يرجع إلى هذا، وكما ذكرت لكم كلام شيخ الإسلام لما تأمل أنفع الدعاء وأجمع الدعاء وجده في هذا. وظاهر كلام ابن القيم وإن لم يصرح بذلك مع نقله كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إلا أن كلامه يدور عليه؛ لأنه يقول: أن قاعدة الدين ترجع إلى هذين أن يعان الإنسان على الذكر والشكر، والدين كله يرجع إلى الذكر والشكر، فإذا أعين الإنسان عليهما فقد بلغ المراتب العالية، لا أريد أن أطيل، لعل هذا يكفي. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه. أخرجه أبو داود في باب تفريع أبواب الوتر، باب في الاستغفار برقم (1522) وصححه الألباني. الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/210). أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب برقم (835). اللهم اعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برقم (2458) وحسنه الألباني.
قوله: (( وحسن عبادتك)): على القيام بها على الوجه الأكمل والأتمّ، ويكون ذلك من صدق الإخلاص للَّه فيها، واتّباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الابتداع فيها. ( [1]) أخرجه أحمد، 13/ 360، برقم 7982، ونص حديث أبي هريرة عنده: < قَالَ أَتُحِبُّونَ أَنْ تَجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ؟ قُولُوا: اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى شُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ > ، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، برقم 1524، والنسائي، كتاب السهو، نوع آخر من الدعاء، برقم 1303، والبخاري في الأدب المفرد، برقم 690، والحاكم، 1/ 273، وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وهو عند أبي داود، برقم 1524، والنسائي في الكبرى، برقم 9973، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 534. ( [2]) النهاية، ص 175. متى يُقال: "اللهم أعني على ذكرك.."؟. ( [3]) سورة الفاتحة، الآية: 5. ( [4]) مدارج السالكين، 1 / 75 – 78. ( [5]) أخرجه أحمد، 36/ 33، برقم 21702، والترمذي، واللفظ له، كتاب الدعوات، باب منه، برقم 3377، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب فضل الذكر، برقم 3370، والموطأ، 2/ 295، والحاكم، 1/ 496، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2688، وصحيح ابن ماجه، برقم 3057.
مستخدماً في التوكيد جميع أدواته – القسم ولامه وتكراره؛ ليهنأ معاذ بهذا الخير العظيم فيشعر أنه في جنة الحب يتمتع بنعيمها، وينعم بهذا القرب من أعظم المقربين إلى الله – تبارك وتعالى -، وهو يعلم علم اليقين منه – صلى الله عليه وسلم – " أَنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ ". لقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك حين سأله رجل عن الساعة؟، فقال: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟" فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعْدَدْتُ لَهَا حُب اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فقد قَالَ له الرَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ " ترجمة لما تضمنه قوله تعالى: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (سورة النساء: 69). اللهم أعني على ذكرك وشكرك. ومن مبادئ الأخلاق النبوية أن المسلم إذا أحب إنساناً ينبغي أن يخبره بذلك ليبادله حباً بحب، فتأتلف القلوب ولا تتنافر، فيلتقي الناس على الحب، ويتفرقون عليه. فقد روى أبو داود عن المقداد بن معد يكرب أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ ".
۞ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) قوله تعالى: وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا قوله تعالى: وقال الذين لا يرجون لقاءنا يريد لا يخافون البعث ولقاء الله ، أي لا يؤمنون بذلك. قال [ أبو ذؤيب]: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وخالفها في بيت نوب عوامل وقيل: لا يرجون لا يبالون. قال [ خبيب بن عدي]: لعمرك ما أرجو إذا كنت مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي ابن شجرة: لا يأملون ، قال: أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب لولا أنزل أي هلا أنزل علينا الملائكة فيخبروا أن محمدا صادق. أو نرى ربنا عيانا فيخبرنا برسالته. نظيره قوله تعالى: وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا إلى قوله: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا. قراءة سورة الفرقان - AlFurqaan | نص مكتوب بالخط الرسم العثماني. قال الله تعالى: لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا حيث سألوا الله الشطط; لأن الملائكة لا ترى إلا عند الموت أو عند نزول العذاب ، والله تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، فلا عين تراه.
والمعنى: لا تذهب نفسك عليهم حسرات يا محمد -عليه الصلاة والسلام-، فإن وظيفتك أن تبشِّر وتنذر، ولست بعد ذلك مؤاخذًا ببقاء الكافرين على كفرهم، ولست مسؤولًا عن عدم اهتدائهم، ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ﴾ [الرعد: 40]. وفي وصفهم بأنهم أصحاب الجحيم، إشعار بأنهم قد طُبع على قلوبهم، فصاروا لا يرجى منها الرجوع عن الكفر.
وقال مقاتل: عتوا علوا في الأرض. والعتو: أشد الكفر وأفحش الظلم. وإذا لم يكتفوا بالمعجزات وهذا القرآن فكيف يكتفون بالملائكة ؟ وهم لا يميزون بينهم وبين الشياطين ، ولا بد لهم من معجزة يقيمها من يدعي أنه ملك ، وليس للقوم طلب معجزة بعد أن شاهدوا معجزة ،