نائبة مناب جواب الشرط ، وهي علة له ، فعلم الجواب منها. وتقديره: فتثبتوا ولا تعجلوا بالطلاق ، لأن قوله: فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا. يفيد إمكان أن تكون المرأة المكروهة سبب خيرات فيقتضي أن لا يتعجل في الفراق. و ( عسى) هنا للمقاربة المجازية أو الترجي. و ( أن تكرهوا) ساد مسد معموليها ، و ( يجعل) معطوف على ( تكرهوا) ومناط المقاربة والرجاء هو مجموع المعطوف والمعطوف عليه ، بدلالة القرينة على ذلك. هذه حكمة عظيمة ، إذ قد تكره النفوس ما في عاقبته خير فبعضه يمكن التوصل إلى معرفة ما فيه من الخير عند غوص الرأي. وبعضه قد علم الله أن فيه خيرا لكنه لم يظهر للناس. قال سهل بن حنيف ، حين مرجعه من صفين: اتهموا الرأي فلقد رأيتنا يوم أبي جندل ولو نستطيع أن نرد على رسول الله أمره لرددنا ، والله ورسوله أعلم. وقد قال تعالى ، في سورة البقرة وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم. فعسي ان تكرهوا شييا ويجعل الله. والمقصود من هذا: الإرشاد إلى إعماق النظر وتغلغل الرأي في عواقب الأشياء ، وعدم الاغترار بالبوارق الظاهرة. ولا بميل الشهوات إلى ما في الأفعال من ملائم ، حتى يسبره بمسبار الرأي ، فيتحقق سلامة حسن الظاهر من سوء خفايا الباطن.
تفسير القرآن الكريم
الروابط المفضلة الروابط المفضلة
حقوق صحبة الزوج مع زوجته ومعنى المعاشرة بالمعروف بين تعالى حق الصحبة مع الزوجات بقوله عز وجل: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء:١٩]، في الحقيقة إن الآية الواحدة من سورة النساء مثل هذه الآية قد تستغرق حتى نحاول أن نوفيها بعضاً من حقها شهوراً كاملة، لكن التزامنا بالاختصار حتى نقطع الورد المطلوب أسبوعياً هو الذي يجعلنا نضطر إلى الإيجاز أحياناً، فمثل هذه الآية ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ ، وغيرها من آيات الأحكام لا تكاد تنحصر معانيها، وتستغرق عمراً طويلاً إذا أردنا أن نستوفي ما فيها من المعاني. قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: صاحبوهن بالمعروف، يعني: الإنصاف في الفعل والإجمال في القول. حتى لا تكونوا سبب الزنا بتركهن، أو سبب النشوز، أو سوء الخلق فلا يحل لكم حينئذ. يقول السيوطي. في الآية: وجوب المعروف من توفية المهر والنفقة والقسم واللين في القول، وترك الضرب والإغلاظ بلا ذنب. فعسى أن تكرهوا شيئا – تجمع دعاة الشام. (وعاشرهن بالمعروف) فالحقوق التي تجب طبقاً لهذه الآية حقوق كثيرة جداً مادية وأدبية، استدل بعمومها من أوجب لها الخدمة إذا كانت ممن لا تخدم نفسها، فيجب على الزوج أن يأتي لها بخادمة تخدمها؛ لأن هذا من المعاشرة بالمعروف.
وأسند جعل الخير في المكروه هنا لله بقوله: ويجعل الله فيه خيرا كثيرا. المقتضي أنه جعل عارض لمكروه خاص ، وفي سورة البقرة قال: وهو خير لكم. لأن تلك بيان لما يقارن بعض الحقائق من الخفاء في ذات الحقيقة ، ليكون رجاء الخير من القتال مطردا في جميع الأحوال غير حاصل بجعل عارض ، بخلاف هذه الآية ، فإن الصبر على الزوجة المؤذية أو المكروهة إذا كان لأجل امتثال أمر الله بحسن معاشرتهن ، يكون جعل الخير في ذلك جزاء من الله على الامتثال.
قال: قلنا: أي رسول الله، ما مستريح؟ ومستراح منه؟ قال: " العبد الصالح يستريح من نصب الدنيا وهمها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب " رواه مسلم وهذا لفظ أحمد. وفي ساعة الموت تكون بشارة الجنة للعبد الصالح، كما قال تعالى: ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]. وألحقني بالصالحين (خطبة). الخطبة الثانية الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد، فاعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله... إن بنيان الصلاح الشامخ يقوم على ركنين اثنين؛ القيام بحق الله، والقيام بحق الخلق. ويأتي في مقدم حقوق الله الإيمانُ، واتباع القرآن، والصلاة، والأمر بالعروف والنهي عن المنكر، والمسارعة في الخيرات، كما قال تعالى: ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 113، 114]. وكذلك التوبة، كما قال تعالى: ﴿ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 25].
وهكذا التواضع وهضم النفس في حق الله وعدم تزكيتها، تأملوا دعاء إبراهيم ويوسف - عليهما السلام -: ﴿ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]؛ يالروعة الافتقار! يطلبون من ربهم إلحاقهم في موكب الصالحين وهم روّاده وأئمته! وشأن الصالحين رعاية حقوق الخلق والسلامة من ظلمهم وبخسهم حقهم، كما قال العبد الصالح لموسى - عليه السلام - حين تعاقد معه على استئجاره نظير إنكاحه ابنته؛ فطمأنه على وفائه حقه قائلاً: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [القصص: 27] الذين يعرفون حق الخلق ويوفونه. اظفروا بالصلاح ما دام العمر باقياً؛ فإن طلب استدراكه بعد الموت أمنية الخاسرين؛ ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 - 11].
وكان الأنبياء يطلبونها بلسان الذل والافتقار لمولاهم، كما دعا إبراهيم ويوسف - عليهما الصلاة والسلام -: ﴿ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]. ولم تقف همتهم في ذلك الخير على حدود النفس، بل سمت ليشمل نعيمُ الصلاح ذريتهم، كما دعا إبراهيم - عليه السلام - على كبر سن وعقم زوج فقال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100]. وطموح إيمان الصادقين يكسرهم لرب العالمين أن يدخلهم مع القوم الصالحين: ﴿ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ﴾ [المائدة: 84]. أيها المسلمون! إن للصلاح ثماراً يانعة المنظر حلوة المخبر، تبدأ مع العبد حين يغدو صالحاً، وتبقى مدرارة عليه بعد موته، ويحظى بالجزاء العظيم عليها يوم الدين. فولاية الله للعبد بقدر صلاحه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف: 196]، ومن كان الله وليه فما ترونه صانعاً به؟! والعبد الصالح في حفظ من الله ومنعة غدت مثلاً يُنشَد، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند نومه: " باسمك رب وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين " رواه البخاري ومسلم.