يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) " هذا هو الثابت في الصحيح ، ولكن بعضهم رواه بالمعنى فقال: قبري. وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر بعد صلوات اللّه وسلامه عليه ، ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة لما تنازعوا فى موضع دفنه ، ولو كان هذا عندهم لكان نصاً فى محل النزاع " انتهى. ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة - الإسلام سؤال وجواب - طريق الإسلام. "مجموع الفتاوى" (1/236) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وترجم بذكر القبر، وأورد الحديثين بلفظ البيت ؛ لأن القبر صار في البيت ، وقد ورد في بعض طرقه بلفظ: ( القبر) ، قال القرطبي: الرواية الصحيحة ( بيتي) ، ويروى ( قبري) ، وكأنه بالمعنى ؛ لأنه دفن في بيت سكناه " انتهى. "فتح الباري" (3/70) ويقول أيضا رحمه الله: " قوله: ( ما بين بيتي ومنبري): كذا للأكثر ، ووقع في رواية ابن عساكر وحده: (قبري) بدل ( بيتي) ، وهو خطأ ، فقد تقدم هذا الحديث في كتاب الصلاة قبيل الجنائز بهذا الإسناد بلفظ: ( بيتي) ، وكذلك هو في مسند مسدد شيخ البخاري فيه. نعم وقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند البزار بسند رجاله ثقات ، وعند الطبراني من حديث ابن عمر بلفظ القبر ، فعلى هذا المراد بالبيت في قوله: ( بيتي) أحد بيوته ، لا كلها ، وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره ، وقد ورد الحديث بلفظ: ( ما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة) أخرجه الطبراني في الأوسط " انتهى.
حديث "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة" هل هو محفوظ بهذا اللفظ؟ حديث: " مَا بَيْن بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ" متفق عليه بهذا اللفظ. وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث لفظ: "ما بين قبري ومنبري" كما عند ابن عساكر وابن الأعرابي وغيرهما وجاء في بعضها: "ما بين بيتي و مصلاي" كما عند البزار وغيره، وجاء في بعضها: "ما بين حجرتي ومصلاي" كما عند الطبراني في الأوسط. قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر الحديث من طريق أبي هريرة رضي الله عنه: " مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي ": كذا للأكثر، ووقع في رواية ابن عساكر وحده " قَبْرِي " بدل " بَيْتِي "، وهو خطأ". والذين رووه من أهل العلم بلفظ "قبري" بدل "بيتي" يحتمل أنهم رووه بالمعنى؛ لأن قبره صلى الله عليه وسلم في بيته. ثم إن روايتهم بلفظ "قبري" يدل على أنهم فهموا أن المراد بالبيت في الحديث بيت عائشة رضي الله عنها لا بيت غيرها من الأزواج؛ لأن فيه قبره صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في بعض الطرق: "ما بين المنبر وبيت عائشة". قال شيخ الإسلام ناصر الدين الألباني: " ويدل عليه (أي: أن المراد بالبيت بيت عائشة رضي الله عنها) أنه الذي فهمه السلف الذين رووا الحديث بلفظ " قَبْرِي " بدل " بَيْتِي ".
انتهى. "شرح مسلم" (9/161-162) ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قوله: ( روضة من رياض الجنة) أي: كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة ، وحصول السعادة بما يحصل من ملازمة حلق الذكر ، لا سيما في عهده صلى الله عليه وسلم ، فيكون تشبيها بغير أداة. أو المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة ، فيكون مجازا. أو هو على ظاهره ، وأن المراد أنه روضة حقيقة ، بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة. هذا محصل ما أوَّلَه العلماء في هذا الحديث. وهي على ترتيبها هذا في القوة " انتهى. "فتح الباري" (4/100) والخلاصة: أن لهذا المكان فضيلة ظاهرة ، تقتضي من المسلم الحرص على الجلوس فيها والصلاة فيها ، غير أن الأهم هو تقوى الله تعالى ، فذلك سبب دخول الجنة ، وليس الجلوس المجرد في الروضة أو في أي مكان آخر. ولما كان الأمر تعبديا محضا لم نستطع تفسير سبب تخصيص هذا المكان دون سائر الأماكن، والله سبحانه وتعالى يختص ما يشاء من الزمان والمكان والأشخاص بالفضائل ، وله في ذلك الحكمة البالغة التي قد لا نطلع عليها. والله أعلم.