أتى اليوم المنتظر ، وقد ركبت أسرة سمير السيارة ، كان الجميع مسرورًا ، مغتبطًا ، بدأت السيارة في السير ، وعلى بعد أميال قليلة ، سيرون الصحراء برمالها الصفراء ، ومساحاتها الشاهقة ، حيث أنهم كانوا قد أعدوا إلى رحلة جميلة ، وممتعة ، في صحراء مصر ، بين أحضان البادية. كان الهدف من تلك الرحلة ، أن تعيش الأسرة أجواء مميزة ، تشبه الأجواء ، والحياة ، التي كان يحياها العرب في قديم الزمان ، حيث النوم في خيام ، والاعتماد على الإبل ، سواء أكان في احتساء لبنها ، أو أكل لحومها ، والاعتماد على الأعشاب ، والنباتات المزروعة ، وإعداد أشهى الأكلات ، التي تشوى على الفحم ، والقهوة المثالية ، التي يتم إعدادها على الفحم أيضًا. نأتي للمناظر الطبيعية الخلابة في الصحراء الواسعة ، فيعلوها السماء الصافية ، التي أبدع الخالق سبحانه وتعالى في صنعها ، مشهد الشروق ، والغروب ، كلها تعود على النفس بالراحة ، والطمأنينة ، فما أجمل صنع الله ، خلق كل شيء بقدر ، فأحسن صنعه ، وجعله في أبهى صورة له. التأمل في خلق الله تعالى. استقرت الأسرة في مكانها ، الذي نزلت فيه ، وقسموا الأدوار عليهم ، حيث كانت الأم تمضي وقتها ، في إعداد القهوة ، وتحضير الطعام ، بينما كان الأب يقوم بحلب الإبل ، ويجمع الأخشاب ، حتى يشعل النيران ، للتدفئة ، والإنارة ، والأطفال كانوا يلعبون ، ويمرحون ، في مكان خصصه لهم الأب ، والأم معًا ، وكان ملعبًا مرحًا بدرجة كبيرة.
4 أبريل، 2022 نسخة للطباعة د. أحمد بن علي المعشني: أفرغ مكتبه من بقايا المكسرات وعلب البسكويت والحلوى، وأبعد قنان المياه المعدنية وعلب السكر والقهوة والشاي التي كانت مبثوثة في زاوية ركنية من مكتبه. كان يخاطب نفسه ويتخيل كيف سيمضي يومه غدًا بدون قهوة وبدون شاي (كرك) الذي اعتاد أن يشربه بكميات ملحوظة في أوقات مختلفة من ساعات العمل. جهاد الزين في الذكرى الأولى على غياب العلامة الأمين: نحتاج إليك! - جنوبية. كيف سيمضي عمله بدون أن يشرب الماء الذي اعتاد أن يشربه؟! تعيده ذاكرته الحسية إلى خبرات الحرمان التي يربطها بالصيام منذ أن بدأه وهو لا يزال طفلًا في السابعة من عمره. يستعيد تجربته المفرحة تدريجيًا مع صيام رمضان لأربعة عقود مضت من عمره، كانت تساوره مخاوف الحرمان من الماء والشاي والقهوة وطعام الغداء، وبمجرد أن يدخل شهر رمضان يتغير كل شيء في حياته. يستهل شهود رمضان بروحانية فائقة، يصبح صائمًا، يمسك عن كل ملذاته الحسية. يأتي كعادته كل صباح إلى عمله، يجد مكتبه مهيئًا للعمل، ويلاحظ سجادة صلاته التي يصلي عليها نافلة الضحى، ويرى مصحفه الذي يفتحه بين وقت وآخر حتى لا يكون هاجرًا للقرآن. يباشر مهام عمله المعتاد بهمة ونشاط، لم يشعر بأية معاناة، يتفقد أحاسيس فمه وحلقه وبطنه، وجميع حواسه وأعضائه، يجلس في وضعية استرخاء وتأمل، يتواصل مع جسمه من رأسه إلى بقية أعضائه، مستشعرًا وعي الصوم، ينقل تركيزه من الوعي الحسي المادي، ويتجاوزه إلى مستوى الأفكار المنطقية التي يهيمن عليها الماضي تارة وتارة تمتطيها أضغاث المستقبل، ولكنه في وضعية التأمل التي من خلالها ينجح في تحييد نشاط التفكير ويبلغ مستوى تركيز الوعي الذي ينقله إلى حالة المراقبة الداخلية التي تتيح له تناغم الجسم مع الحواس والتفكير عن طريق التركيز على الشهيق والزفير والعيش في الحاضر.