التفكير الاستقرائي هو عملية استدلال عقلي، تستهدف التوصل إلى استنتاجات أو تعميمات تتجاوز حدود الأدلة المتوافرة أو المعلومات التي تقدِّمها المشاهدات المسبقة، فلو شاهدت وأنت في طريقك إلى العمل سيارتَي أجرة صغيرتين تقطعان إشارة ضوئية حمراء، ثم وصفت الحادثة لصديق لك وأنهيت كلامك بالقول: «جميع سائقي سيارات الأجرة الصغيرة مستهترون، لا يراعون الإشارات الضوئية»، فإنك تكون قد تجاوزت حدود المعلومة التي انطبقت في حقيقة الأمر على سائقين فقط، وعمَّمتها على فئة سائقي سيارات الأجرة الصغيرة دون استثناء. من الواضح هنا أن الاستنتاج الذي توصلت إليه هو استنتاج استقرائي لا يمكن ضمان صحته بالاعتماد على الدليل المتوافر بين يديك، وأقصى ما يمكن أن يبلغه استنتاج كهذا هو احتمالية أن يكون صحيحًا، ومثل ذلك القول بأن «التدخين سبب رئيس للإصابة بالسرطان»، فهذا الاستنتاج قد تم التوصل إليه ربما بعد ملاحظة ملايين الحالات، ومع ذلك فإن الاحتمال قائم دائمًا بأن لا يكون التدخين سببًا رئيسًا للإصابة بالسرطان. وهكذا يتضح أن التفكير الاستقرائي يذهب دائمًا إلى ما هو أبعد من حدود المعلومات المعطاة أو الدليل المائل أمام المستقرئ، وجُلُّ ما يطمح إليه هو اتخاذ الدليل أو المعلومات المتوافرة سندًا مرجحًا للاستنتاجات، بمعنى أنه إذا كانت المعلومات أو الفروض الموضوعة صحيحة، تكون الاستنتاجات صحيحة على وجه الاحتمال.
ولكن من أين نأتي بتلك البديهيات؟ من السهل إيجاد البديهيات في الرياضيات (من أي نقطتين يمكننا إيصالهم بخط مستقيم واحد) ولكن هل من السهل إيجاد البديهيات لعلم الأحياء أو علم الأعصاب؟ في القرن السابع عشر ومع الثورة العلمية ومع الفيلسوف بيكون بالتحديد، اُستخدام الاستقراء كأداة تمكننا من تعمم المعلومات. ولكن المعلومات التي تنتج من الاستقراء ليست كالمعلومات الناتجة من الاستنباط والتي يجب أن تكون صحيحة. المعلومات الناتجة عن الاستقراء هي معلومات قد تكون صحيحة، فهي ليست قطعياً صحيحة ولكن بنسبة عالية صحيحة. مثلاً لاحظنا مئة إبل ولم نجد لهن أجنحة، يمكننا القول أن الإبل لا تملك أجنحة. مهارات التفكير الاستقرائي | صحيفة رسالة الجامعة. طبعاً من الممكن أن نكون مخطئين، من الممكن وجود إبل ذو طفرة معينة أعطته أجنحة. لذلك كما زاد عدد الملاحظات كلما زادت نسبة الصحة لتلك المعلومة. لذلك لا يمكن للاستقراء أن يُنتج معلومات تكون قطعياً صحيحة، لابد من وجود نسبة للخطأ. نجاح الاستقراء نعيشه الآن، كل هذه الاكتشافات منذ القرن السابع عشر حدثت بسبب الاستقراء. المنهج العلمي مرتكز على الاستقراء لدرجة صُعب وجود أحدهما بدون الآخر. في الاستنباط المنطق هو الذي يحدد الحقائق، تطبيق أداة منطقية على المعلومة العامة يجب أن ينتج معلومة صحيحة.
الاستدلال الاستقرائي يستخدم العلوم الطبيعية والإنسانية، وبنيَ المنهج العلمي التجريبي على أساس الاستدلال الاستقرائي خاصةً في تطور العلوم الطبيعية في العصور الحديثة، في حين أن الاستدلال الاستنباطي يعد أساسيًا في العلوم الرياضية التي تستند إلى تجريدات محضة. يعتمد صدق القضايا الجزئية في الاستدلال الاستقرائي على الرجوع إلى أرض الواقع والتجارب وفي حال كانت مطابقة للواقع تعد صادقة، وإذا لم تكن مطابقة تعد كاذبة، أما القضايا التحليلية في الاستدلال الاستنباطي تعتمد على الصدق الداخلي المتضمن في داخل القضية، ولا تعتمد على وقائع حقيقية يمكن رؤيتها أو قياسها. مشكلة الاستقراء بالرغم من أن الاستقراء يعتمد على أسس تجريبية واقعية إلا أن نتائجه ليست أكيدة بإطلاق، ولذلك أطلق الفلاسفة المعاصرون على حجة الاستقراء مصطلح مشكلة الاستقراء كمشكلة فلسفية، لأن صحة المقدمات أو الأجزاء قد لا تدل على صحة النتيجة دائمًا، ولكن كلما زادت المقدمات أو الأجزاء زادت احتمالية أن تكون النتيجة صائبة. ماذا تعرف عن الاستقراء الحدسي ؟ وما الفرق بينه وبين الاستقراء الكامل ( القياس ) والناقص ( التجربة ) ؟. [٢] تجدر الإشارة إلى أن هذه المشكلة كان لها جانب إيجابي بالنسبة للفلاسفة والعلماء، لأن انعدام الإطلاق في النتائج سيشجع المفكرين على ألا يتعاملوا مع القضايا على أنها صحيحة 100%، مما يترك مجالًا للشك وانفتاح الباحث على خيارات أخرى.
1. طرح المشكلة: أ- المدخل: إن مصطلح الاستقراء في التداول المنطقي يعني: الحكم على الكليات بما ثبت في جزئياتها. ومثاله أن يختبر العالم بعض عينات من المعادن، فيعرضها للحرارة، ويعمم الحكم في قوله: أن (كل أفرادها يتمدد بالحرارة)، وهنا ينقل الحكم من الجزء إلى الكل. ومعنى ذلك، أن الاستقراء قائم على مبدأ التعميم الذي يقضي بأن ما يصدق على الجزء يصدق على الكل. ب- المسار: ولكن إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه القاعدة صحيحة ما دامت التجربة لم تتناول كل أفراد الظاهرة ، بل بعض العينات منها. إن هذا التعميم ينتهي بنا إلى إشكال منطقي، وهو ما يصدق على الجزء لا يصدق بالضرورة على الكل. ج- السؤال: وهكذا نطرح هنا مشكلة الأساس المنطقي الذي يسمح بالانتقال من ملاحظة بعض أفراد الظاهرة إلى حكم كلي يشمل كل أفرادها، فهل يجوز تعميم الحكم ؟ أليس في ذلك مجازفة ومخاطرة ؟ وبالتالي ما الذي يبرر مشروعية الاستقراء ؟ 1- منطقها: دافيد هيوم أول من أثار الشك في مشروعية الاستقراء، وقال بعدم جواز الانتقال من الجزء إلى الكل لأنه انتقال غير مبرر في نظره. 2- مسلمانها وما تستوجبه من برهنة: لقد وجد «هيوم» الاستقراء المعتمد كمنهج للعلم، وما يتمتع به من ثقة لدى العلماء، ليس له ما يبرره، لا من الوجهة المنطقية ولا من الوجهة التجريبية: فمن الوجهة الصورية (المنطقية): إننا نحكم على المستقبل بحكم الماضي، معتقدين مماثل الماضي والمستقبل، لكن هذا الاعتقاد لا تبرره أية ضرورة منطقية، فلا مانع عقلا أن يخالف المستقبل الماضي، فإشراق الشمس اليوم كما أشرقت بالأمس وقبله ومن آلاف السنين لا يستند إلى ضرورة عقلية تحتم إشراقها غدا أو بعده.
ولهذا لا بد للباحث ، أن يؤمن بالحتمية حتى يوسس العلم. وقانون التعميم لا يصح تطبيقه، فيما يقول «بوانکاریه» إلا إذا « كانت في الكون أشياء متشابة أو تكاد تكون متشامة ». ب نقيض القضية: 1- منطقه: [ إن الاستقراء في نظر خصوم «هيوم» مشروع، وما يبرر مشروعيته هو انه يقوم على مبادئ: وهي مبدأ السببية ومبدأ و مبدأ الحتمية]. 2- مسلماتها وما تستوجبه من برهنة: مبدأ المسلمة ينص على أن لكل معلول علة بحيث، لا يمكن للعقل البشري أن يتصور حدوث ظاهرة لا سبب لها ؛ أما مبدأ الاطراد، فهو مبدأ راسخ لدى العلماء يقضي أن الظواهر الطبيعية تتكرر دائما بشكل منتظم، وإنكار هذا المبدأ يفضي إلى الإيمان بفكرة العشوائية والفوضى، وهو ما يرفضه العقل البشري، فالإنسان يرى الشمس تشرق كل صباح وتغرب كل مساء، ولم يحدث أن وقع غير ذلك. والحال نفسه بالنسبة لكل الظواهر الطبيعية الأخرى. فالتكرار المنتظم سمة الظواهر الطبيعية. وهو ما عبر عنه «ج. س. مل» في قوله: « الاطراد مبدأ كان لابد من اتخاذه مقدمة نهائية ترتد إليها كل العمليات الاستقرائية » أما مبدأ الحتمية، فهو مبدأ ينص على أن الطبيعة( الكون) تخضع لنظام عام وثابت: فهو نظام عام يشمل كل الظواهر دون أن نستثني منها أي ظاهرة.
اقرأ أيضاً تعليم السواقه مهارات السكرتارية التنفيذية تعريف الاستقراء عند أرسطو يعد أرسطو من أول من استخدم مصطلح الاستقراء في الفلسفة، ويقصد به إقامة البرهان والحجة على قضية كلية بالاستناد إلى مجموعة قضايا جزئية ثبت صدقها، وبذلك يكون الانتقال منطقيًا من الحالات الجزئية إلى تعميمات وقضايا كلية، أي من المعلوم إلى المجهول ويمكن توضيح فكرة المنطق الاستقرائي من خلال المثال التالي: [١] قائد الطائرة الماهر هو الأفضل. قائد العربة الماهر هو الأفضل. قائد السفينة (القبطان) هو الأفضل إذن يستنتج من ذلك أن الرجل الماهر في صنعته هو الأفضل. وبذلك يكون الاستقراء هو الوصول إلى نتيجة بناءًا على مجموعة من الحالات الفردية، وسمي بالاستقراء لأن الباحث يستقرأ الأجزاء والحالات الفردية (يدرسها) فيصل إلى نتيجة كلية، وتجدر الإشارة إلى أن الحالات الفردية يمكن معاينتها على أرض الواقع ويمكن ملاحظتها.