مقتضى اسم الله القريب وأثره: إذا عرف المسلم ربه باسمه القريب طَمِعَ فيما عنده، وزهد فيمن سواه، فالقريب هو الذي يعلم حال الإنسان وتفاصيل حاجاته، والقريب هو الذي يُعطي إذا سُئِل ويجيب إذا دُعي، ولا أحد أقرب من الله تعالى، ولا أرحم منه، ولا أعلم بمصلحة العبد منه، وليس من العقل أن يترك الإنسان القريب ويذهب إلى البعيد. لذلك لما ورد السؤال عن الله تعالى جاء الجواب بأنه قريبٌ، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: ١٨٦].
معنى "القريب" في اللغة: القُربُ نقيضُ البُعْد. قَرُب الشيء بالضم؛ أي: دنا، فهو قريب. والقُربان: ما قُرِّب إلى الله عز وجل وتقَرَّبتَ به. اسم الله "القريب" في القرآن الكريم: ورد الاسم ثلاث مرات في الكتاب، وهي: قوله جلَّ ثناؤه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186). القريب - معاني أسماء الله الحسنى ومقتضاها - باسم عامر - طريق الإسلام. وقوله: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) (هود: 61). وقوله: (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) (سبأ: 50). معنى "القريب" في حق الله تبارك وتعالى: قال ابن جرير في قوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) (البقرة: 186): يعني تعالى ذِكْره بذلك: وإذا سَألك يا محمد عبادي عنّي؛ أين أنا؟ فإني قريبٌ منهم؛ أسمعُ دعاءَهم، وأُجيبُ دعوة الداعي منهم. وقال في قوله: (إنَّ ربي قريبٌ مُجيب) (هود: 61): يقول: إنَّ ربي قريبٌ ممنْ أخْلص له العبادة، ورَغِبَ إليه في التوبة؛ مُجيبٌ له إذا دَعاه.
اسماء الله الحسنى - القريب - دكتور النابلسي - 1 من 2 - YouTube
ومَنْ يكون قوله مركّباً مِنَ الحُلول والاتِّحاد، وهم يحتجُّون بنُصوص"المعيَّة والقُرْب"، ويتأولون نُصُوص"العُلو، والاسْتواء" وكل نصٍّ يحتجُّون به؛ حُجّة عليهم، فإنّ المعيَّة أكثرُها خاصةٌ بأنبيائه وأوليائه، وعندهم أنه في كلِّ مكان؟! و"المعيّة" لا تدلُّ على المُمازجة والمخالطة، وكذلك لفظ "القُرب"، فإنّ عند الحُلولية أنه في حبل الوريد؟! كما هو عندهم في سائر الأعيان! وكل هذا كُفرٌ وجهل بالقرآن. "والقَسْم الثالث" مَنْ يقول: هو فوقَ العرش، وهو في كلّ مكان؟! اسم الله القريب ابن عثيمين. ويقول: أنا أقر بهذه النُّصوص، وهذه لا أصْرفُ واحداً منها عن ظاهره. وهذا قول طوائف ذكرهم الأشعري في"المقالات الإسْلامية" وهو موجود في كلام طائفة من السَّالمية والصُّوفية. وهذا الصنف الثالث؛ وإنْ كان أقربَ إلى التمسُّك بالنُّصوص، وأبْعد عنْ مخالفتها من الصنفين الأولين؛ فإنّ الأول: لم يتَّبع شيئاً مِنَ النُّصوص، بل خَالفها كلَّها. والثاني: تَرَكَ النصوصَ الكثيرة؛ المُحْكمة المُبينة؛ وتعلّقَ بنصوصٍ قليلة؛ اشْتَبهت عليه معانيها. وأما هذا الصنف فيقول: أنا اتبعتُ النُّصوص كلها، لكنه غالط أيضاً. فكل مَنْ قال: إنَّ الله بذاته في كلِّ مكان؛ فهو مُخالفٌ للكتاب والسُّنة؛ وإجماع سلف الأمة وأئمتها، مع مخالفته لما فَطَر اللهُ عليه عباده، ولصريحِ المعْقول؛ وللأدلة الكثيرة، وهؤلاء يقولون أقوالاً متناقضة، يقولون: إنّه فوقَ العرش.
يقول الله تعالى في حديثة القدسي: "أنا مع عبدي ما ذكرنى وتحركت بي شفتاه".
وفي الصحيحين أيضا ً: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: مَنْ تقرَّب إلي شبراً؛ تقرَّبْتُ إليه ذِراعاً، ومَنْ تقرَّب إليَّ ذِراعاً؛ تقرّبتُ إليه باعاً، ومَنْ أتَاني يمشي؛ أتَيته هَرْولةً ". قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" وقُربه من العباد بتقربهم إليه؛ مما يُقِرُّ به جميع مَنْ يقول: إنه فوق العرش، سواء قالوا مع ذلك: إنه تقوم به الأفعال الاختيارية؛ أو لم يَقُولوا. وأما مَنْ يُنكر ذلك: فمنهم مَنْ يفسّر قُرب العباد؛ بكونهم يُقاربونه ويُشابهونه مِنْ بعض الوجوه، فيكونون قريبين منه! وهذا تفسير أبي حامد والمتفلّسفة، فإنهم يقولون: الفلسفة هي: التَّشبُّه بالإله على قدْر الطّاقة؟! ومنهم مَنْ يُفسّر قربَهم بطاعتهم! ويفسّر قربَه بإثباته! معاني أسماء الله الحسنى ومقتضاها (القريب). وهذا تفسير جمهور الجهمية، فإنهم ليس عندهم قُرب ولا تقريب أصْلاً! والذين يُثبتون تقريبه العباد إلى ذاته، هو القول المعروف للسَّلف والأئمة، وهو قول الأشعري وغيره من الكُلابيّة، فإنهم يُثبتون قُربَ العباد إلى ذَاته، وكذلك يُثبتون اسْتواءه على العَرش بذاته، ونحو ذلك، ويقولون: الاسْتواء فعلٌ فَعَله في العَرْش؛ فصار مُستوياً على العَرْش، وهذا أيضاً قول ابن عقيل، وابن الزّاغوني، وطوائف من أصحاب أحمد وغيرهم.