وأما الآية الثانية فإنها فيمن أمر الله تعالى نبيّـه صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي أوجب عليهم الصدقات بأن يقول لهم: اعملوا ما أمركم الله به من الطاعات كالصلوات والصدقات ، فإن الله ورسوله والمؤمنين يَرون ذلك ، وهذه الأعمال مما تُرى بالعين خلاف أعمال المنافقين التي تقتضي لهم النفاق لإضمارهم ، وهو مما لا يُرى بالعين ، وإنما يَعلمه عالِم الغيب ، فلذلك لم يُذكر المؤمنون في الأولى ، وذُكِروا في الثانية.
﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 105] قال المنذر بن مالك أبو نضرة: "كنا نتواعظ في أول الإسلام بأربع: اعمل في فراغك لشُغلك، واعمل في صحتك لسقمك، واعمل في شبابك لهَرَمك، واعمل في حياتك لموتك"؛ (انظر الحلية: 3/ 97). إنها موعظة تَعتمِد حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه الأمور الأربعة فرص ينبغي أن يملأها العاقل بالعمل النافع. خطبة بعنوان (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) - موضوع. فعلينا أن نعمل فيها ونُسابِق إلى رِضوان الله وثوابه العظيم؛ قال تعالى: ﴿ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 20، 21]. وقال - سبحانه -: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، هذا أمر من الله أن نُسارِع ونُسابِق إلى الإيمان والعمل الصالح، ومشكلة المسلمين اليوم قلة العمل.
(الاحتجاج ،ج2،ص598).
فالعملُ هو أساس قوة الأمة وثروتها، وأساس عزِّها وكرامتها. وفي إهمال الفرد لعمله تعطيل لخير المجموع، وتعويق لتقدُّم الأمة. وإذا كَثُر العاطلون ضَعُف الإنتاج، وانتشر الفقر، وشاعت الجريمة، وتعرَّضت حياة الأمة للفوضى والاضطراب والخطر. ولقد عرفت الأمم الراقية قيمةَ العمل وأثرَ الإنتاج، فبذلتْ كلَّ جُهْد لتشجيع العاملين، وفتح أبواب المعرفة والابتكار لهم. وموقف الإسلام من احترام العمل وتقديره معروف، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما أكَل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده))؛ رواه البخاري. آية و5 تفسيرات.. "وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون" - اليوم السابع. والحق أن الإسلام قد قدَّر العملَ أعظم تقدير، ورفع شأنَ العاملين إلى أبعد حد، وكان صلى الله عليه وسلم خيرَ مثلٍ للإنسان العامل الكادح، فرعى الغنمَ؛ فقد قال لأصحابه: ((ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم))، فقالوا له: وأنت يا رسول الله؟ قال: ((وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط)) [2]. وقال جابر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نجني الكَباث [3] ، فقال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالأسود منه؛ فإنه أطيبه، فإني كنتُ أجنيه إذ كنتُ أرعى الغنمَ))، قلنا: وكنتَ ترعى الغنم يا رسول الله؟ قال: ((نعم، وما من نبي إلا وقد رعاها))؛ متفق عليه.
اقرأ أيضاً أنواع الأموال الربوية أنواع الربا مقدمة الخطبة إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصّنا بخير كتابٍ أنزل، وأكرمنا بخير نبيٍّ أرسل، وأتمّ علينا نعمته بأعظم منهاج شرعٍ: منهاج الإسلام فقال -سبحانه-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا). وقل اعملوا فسيرى. [١] وأشهد أنّ سيدنا وإمامنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فأدى الأمانة، وبلّغ الرسالة، ونصح للأمّة، وجاهد في الله حق جهاده. الوصية بتقوى الله عباد الله ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته، فتقوى الله خير ما يوصي به المسلمُ المسلمَ، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره ونهيه، لقوله تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ). [٢] الخطبة الأولى خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان لمهمة عظيمة ورفع قدره وكرمه شرفه، قال تعالى: ( وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا)، [٣] وحتى يحقق المسلم الغاية من وجوده وينال شرف التكريم الإلهي، لا بد أن يحقّق العبادة التي من أجلها خُلِق، كما في قوله تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).