وذكر ابن قتيبة في المعارف أن اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، عليه السلام قالوا: وكان يكنى أبا العباس ، ويلقب بالخضر ، وكان من أبناء الملوك ، ذكره النووي في تهذيب الأسماء ، وحكى هو وغيره في كونه باقيا إلى الآن ثم إلى يوم القيامة قولين ، ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه ، وذكروا في ذلك حكايات وآثارا عن السلف وغيرهم وجاء ذكره في بعض الأحاديث. ولا يصح شيء من ذلك ، وأشهرها أحاديث التعزية وإسناده ضعيف. ورجح آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك ، واحتجوا بقوله تعالى: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد [ الأنبياء: 34] وبقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض " ، وبأنه لم ينقل أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ولا حضر عنده ، ولا قاتل معه. من القائل وما فعلته عن امري - منبع الحلول. ولو كان حيا لكان من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم] وأصحابه; لأنه عليه السلام كان مبعوثا إلى جميع الثقلين: الجن والإنس ، وقد قال: " لو كان موسى وعيسى حيين ما وسعهما إلا اتباعي " وأخبر قبل موته بقليل: أنه لا يبقى ممن هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تطرف ، إلى غير ذلك من الدلائل.
ففي أولها تجيء قصة أصحاب الكهف، وبعدها قصة الجنتين، ثم إشارة إلى قصة آدم وإبليس. وفي وسطها تجيء قصة موسى مع العبد الصالح. وفي نهايتها قصة ذي القرنين. ويستغرق هذا القصص معظم آيات السورة، فهو وارد في إحدى وسبعين آية من عشر ومائة آية; ومعظم ما يتبقى من آيات السورة هو تعليق أو تعقيب على القصص فيها. وإلى جوار القصص بعض مشاهد القيامة، وبعض [ ص: 2257] مشاهد الحياة التي تصور فكرة أو معنى، على طريقة القرآن في التعبير بالتصوير. أما المحور الموضوعي للسورة الذي ترتبط به موضوعاتها، ويدور حوله سياقها، فهو تصحيح العقيدة وتصحيح منهج النظر والفكر. القرآن الكريم - في ظلال القرآن لسيد قطب - تفسير سورة الكهف - الآية 82. وتصحيح القيم بميزان هذه العقيدة. فأما تصحيح العقيدة فيقرره بدؤها وختامها. في البدء: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. قيما. لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا: اتخذ الله ولدا. ما لهم به من علم ولا لآبائهم. كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا. وفي الختام: قل: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد، فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا.
ويعقب عليه ببيان للقيم الزائلة والقيم الباقية: المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا. وذو القرنين لا يذكر لأنه ملك، ولكن يذكر لأعماله الصالحة. وحين يعرض عليه القوم الذين وجدهم بين السدين أن يبني لهم سدا يحميهم من يأجوج ومأجوج في مقابل أن يعطوه مالا، فإنه يرد عليهم ما عرضوه من المال، لأن تمكين الله له خير من أموالهم قال: ما مكني فيه ربي خير. وحين يتم السد يرد الأمر لله لا لقوته البشرية: قال: هذا رحمة من ربي، فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا. وفي نهاية السورة يقرر أن أخسر الخلق أعمالا، هم الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه; وهؤلاء لا وزن لهم ولا قيمة وإن حسبوا أنهم يحسنون صنعا: قل: هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟ أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا. [ ص: 2259] وهكذا نجد محور السورة هو تصحيح العقيدة. وتصحيح منهج الفكر والنظر. تم الإجابة عليه: من القائل وما فعلته عن امري | سواح هوست. وتصحيح القيم بميزان العقيدة. ويسير سياق السورة حول هذه الموضوعات الرئيسية في أشواط متتابعة: تبدأ السورة بالحمد لله الذي أنزل على عباده الكتاب للإنذار والتبشير.
كما أننا خصصنا حلقتين فى برنامج ( فضح السلفية) عن اسطورة الخضر عند البخارى وغيره. يهمنا هنا أن هذا الرسول العبد الصالح قالها لموسى عليه السلام: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) الكهف). الله جل وعلا أخبر ذلك النبى بغيب مستقبلى يخص هذا الغلام ، والله جل وعلا هو الذى أمر هذا النبى بقتل ذلك الغلام. وفى قتله رحمة به وهو الخير له. فكل إنسان مصيره الموت فى الموعد المحدد والمكان المحدد سلفا ومقدما. ولو مات فى براءته فهو الأفضل له. وفى النهاية فكل الحتميات ومنها الموت ( موعده ومكانه) ترجع للخالق جل وعلا ، مهما كره المستبدون.! !.
وحدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عبد الله بن عياش عن عمر مولى غفرة قال: إن الكنز الذي قال الله في السورة التي يذكر فيها الكهف: وكان تحته كنز لهما قال: كان لوحا من ذهب مصمت مكتوبا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم ، عجب لمن عرف النار ثم ضحك! عجب لمن أيقن بالقدر ثم نصب! عجب لمن أيقن بالموت ثم أمن! أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وحدثني أحمد بن حازم الغفاري ، حدثنا هنادة بنت مالك الشيبانية قالت: سمعت صاحبي حماد بن الوليد الثقفي يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول في قول الله تعالى وكان تحته كنز لهما قال: سطران ونصف لم يتم الثالث: عجبت للموقن بالرزق كيف يتعب وعجبت للموقن بالحساب كيف يغفل؟ وعجبت للموقن بالموت كيف يفرح؟ وقد قال تعالى: وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [ الأنبياء: 47] قالت: وذكر أنهما حفظا بصلاح أبيهما ، ولم يذكر منهما صلاح ، وكان بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة آباء ، وكان نساجا. وهذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة ، وورد به الحديث المتقدم وإن صح ، لا ينافي قول عكرمة: أنه كان مالا لأنهم ذكروا أنه كان لوحا من ذهب ، وفيه مال جزيل ، أكثر ما زادوا أنه كان مودعا فيه علم ، وهو حكم ومواعظ ، والله أعلم.
والفتية المؤمنون أصحاب الكهف يقولون بعد اعتزالهم لقومهم: وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون - إلا الله - فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته، ويهيئ لكم من أمركم مرفقا والخطاب يوجه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليصبر نفسه مع أهل الإيمان; غير مبال بزينة الحياة الدنيا وأهلها الغافلين عن الله واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا. وقل: الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وقصة الجنتين تصور كيف يعتز المؤمن بإيمانه في وجه المال والجاه والزينة. وكيف يجبه صاحبها المنتفش المنتفخ بالحق، ويؤنبه على نسيان الله: قال له صاحبه وهو يحاوره: أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا؟ لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا. ولولا إذ دخلت جنتك قلت: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله. إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا. فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك، ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا، أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا. وعقب القصة يضرب مثلا للحياة الدنيا وسرعة زوالها بعد ازدهارها: واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء، فاختلط به نبات الأرض، فأصبح هشيما تذروه الرياح، وكان الله على كل شيء مقتدرا.
مقدمة عن التسامح التسامح هو خلق إنساني، ويحمل معاني العفو عن الآخرين، والصفح عما فعلوا وارتكبوا، والحلم في معاملتهم، بالإضافة إلى اللين والرفق بهم، ونبذ العدوانية والكراهية والحقد، الأمر الذي يساعد على تعزيز العلاقات الحسنة بين الناس، ليصبح المجتمع مستقراً وسليماً، فلا تقتصر آثار التسامح على جانب واحد، أو على فرد واحد، بل تنتشر الآثار ليعم الخير في الحياة كلها، ولهذا الخلق الكثير من الجوانب والأشكال، وسنعرضها لكم في السطور التالية. هناك العديد من المجالات التي يظهر فيها خُلق التسامح، مثل تسامح الأفراد في العلاقات التي يكونوها مع الآخرين في حياتهم اليومية، كعفو الصديق عن صديقه وقت الخطأ، وعفو الزوجة لزوجها وقت التقصير، وتسامح الجيران مع بعضهم البعض، ورحمة الكبير على الصغير ليغفر له خطأه، أو عفو رب العمل على العاملين ليخفف عنهم ويتجاوز عن أخطائهم، أو مسامحة المعلم لطلابه ومعاملتهم بالرفق واللين والصبر والحلم والحب، وعفو الدائن عن الشخص المدين ليخفف عنه، فقد قال جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال "رَحِمَ اللهُ عبدًا سَمْحًا إذا باعَ، سَمْحًا إذا اشْتَرى، سَمْحًا إذا قَضَى، سَمْحًا إذا اقْتَضَى".
ومن أشكال التسامح أيضاً، هو العفو عن أصحاب الديانات الأخرى، ومعاملة أهل الكتاب برفق ولين، وبخاصة من يعيشون معنا في دولة إسلامية واحدة، فأولئك الأشخاص لهم حق في أداء العبادة دون تدخل من الآخرين، ولهم حق في التعبير عن آرائهم الشخصية بحرية تامة، فيجب أن يكون المُسلم متسامحاً معهم، ويتعامل بأخلاق فاضلة، ويُقابل السيئة بالحُسنى، الأمر الذي سيجلب الخير للمجتمع، ويجعله خالي من الكراهية والعداوة والحروب، فقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ".
أنواع التسامح يتجلى مفهوم التسامح على مختلف العلاقات في المجتمعات وبين الناس، فقد يبدأ عند الأطفال الصغار من خلال حل الشجار وفض الخصومات فيما بينهم، وبدء صفحة جديدة نقية من صداقتهم، فهذا نوع بريء لطيف للتسامح، لكن بنظرة أعمق سيتبين أن أنواع التسامح على الصعيد الواسع هي: التسامح العرقي، والتسامح الديني، والتسامح السياسي، والتسامح الثقافي. التسامح العرقي هو من الأنواع المهمة التي إذا سادت وانتشرت تحل كثيرًا من أزمات العالم، ويُقصد به الابتعاد عن النظرة العنصرية للطرف الآخر، سواء كان ينتمي لبلد آخر، أم لعرق آخر، أم أن لون بشرته مختلف عن لون بشرة الطرف الآخر، فإن الإساءة وعدم التسامح في هذا الموضوع فيه إجحاف كبير؛ إذ إن الإنسان لم يكن مخيرًا لا في أصله ولا في عِرقه ولا في لون بشرته. فيما يخص التسامح الديني فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- خير مثال لهذا التسامح، ومع أنه رسول رب العالمين، لنشر الدين الإسلامي الحنيف، إلا أنه لم يُكرِه أحدًا على اعتناق الدين الإسلامي، وسمح لليهود والنصارى بالبقاء على دينهم، وممارسة طقوس عبادتهم، ومن أراد اعتناق الدين الإسلامي منهم كان يحترم رغبته، وكذلك ينبغي أن تكون كل المجتمعات، طالما أن كل فرد فيها يعرف حقوقه وواجباته.