وقوله (فاجتباه ربه فجعله من الصالحين) معناه اختار الله يونسا فجعله من جملة الصالحين المطيعين لله التاركين لمعاصيه. وقوله (وإن يكاد الذين كفروا) قال النحويون: (إن) هذه المخففة عن الثقيلة، لأنها لو كانت للشرط لجزم (يكد) وتقديره، وإن يكاد الذين كفروا أي قارب الذين كفروا (ليزلقونك بابصارهم) أي يرمون بك عند نظرهم غيظا عليك قال الشاعر: يتلاحظون إذا التقوا في محفل * نظرا يزيل مواقع الاقدام ( 4) ويكاد يصرعه بحدة نظره. فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت. وقيل كان الرجل إذا أراد ان يصيب صاحبه بالعين تجوع ثلاثة أيام ثم نظره فيصرعه بذلك، والمفسرون كلهم على المراد بازلاقهم له بأبصارهم من الإصابة بالعين. وقال الجبائي منكرا لذلك: إن هذا ليس بصحيح، لان هذا من نظر العداوة وذلك عندهم من نظر المحبة على أن إصابة العين ليس بصحيح. قال الرماني: وهذا الذي ذكره ليس بصحيح، لأنه لا يمتنع أن يكون الله تعالى أجرى العادة بصحة ذلك لضرب من المصلحة، فلا وجه للامتناع من ذلك، وعليه اجماع المفسرين، وهو المعروف بين العقلاء والمسلمين وغيرهم، فينبغي أن يكون مجوزا. وروي أن أسماء بنت عيس قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن بني جعفر يصيبهم العين، فأسترقي لهم، قال: نعم، فلو كان شئ سابق القدر سبقة العين.
إذ نادى " أي حين دعا في بطن الحوت فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. وهو مكظوم أي مملوء غما. وقيل: كربا. الأول قول ابن عباس ومجاهد. والثاني قول عطاء وأبي مالك. (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم) - YouTube. قال الماوردي: والفرق بينهما أن الغم في القلب ، والكرب في الأنفاس. وقيل: مكظوم محبوس. والكظم الحبس; ومنه قولهم: فلان كظم غيظه ، أي حبس غضبه; قاله ابن بحر. وقيل: إنه المأخوذ بكظمه وهو مجرى النفس; قاله المبرد. وقد مضى هذا وغيره في " يوسف ". تفسير الطبري القول في تأويل قوله تعالى: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاصبر يا محمد لقضاء ربك وحكمه فيك، وفي هؤلاء المشركين بما أتيتهم به من هذا القرآن، وهذا الدين، وامض لما أمرك به ربك، ولا يثنيك عن تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم إياك وأذاهم لك. وقوله: (وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ) الذي حبسه في بطنه، وهو يونس بن مَتَّى صلى الله عليه وسلم فيعاقبك ربك على تركك تبليغ ذلك، كما عاقبه فحبسه في بطنه: (إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) يقول: إذ نادى وهو مغموم، قد أثقله الغمّ وكظمه. كما حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) يقول: مغموم.
فسيدُنا يونس ذهبَ مغاضباً إذ كذَّبَه مَن أرسلَه اللهُ تعالى إليهم رسولاً بشيراً ونذيراً، فما كان منه إلا أن خرجَ من قريتهم عاقدَ العزمِ على ألا يعودَ إليها مرةً أخرى، فأبِقَ إلى الفُلكِ لا يلوي على شيء: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (87 الأنبياء)، (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) (139- 142 الصافات). تفسير قوله تعالى: فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت. فاللهُ تعالى أمرَ رسولَه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بألا يعجلَ على قومِه وألا يستعجلَ لهم وأن يصبرَ لحُكمِ ربِّه حتى يجيءَ نصرُ الله (فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) (84 مريم)، (َفاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) (من 60 الروم)، (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (من 49 هود). ولذلك أمرَ اللهُ تعالى رسولَه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بألا يكونَ كصاحبِ الحوت: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) (48 القلم).
وقيل: إنهم كانوا يقولون ما اظهر حججه، وما افصح كلامه، وما أبلغ خطابه، يريدون بذلك ان يعينوه به، قال البلخي: المعنى إنهم كانوا ينظرون إليه نظر عداوة وتوعد، ونظر من بهم به، كما يقول القائل: يكاد يصرعني بشدة نظره قال الشاعر: يتعارضون إذا التقوا في موطن * نظرا يزيل مواضع الاقدام ( 5) أي ينظر بعضهم إلى بعض نظرا شديدا بالبغضاء والعداوة، ونظر يزيل الاقدام عن مواضعها أي يكاد يزيل. وقوله (لما سمعوا الذكر) يعني القرآن (ويقولون) مع ذلك (إنه لمجنون) قد غلب على عقله، قالوا ذلك فيه مع علمهم بوقارة عقله تكذبا عليه ومعاندة له، فقال الله تعالى ردا عليهم (وما هو) أي ليس هذا القرآن (إلا ذكر للعالمين) أي شرف إلى أن تقوم الساعة. 1 - سورة 25 الفرقان آية 65. 2 - مر في 7 / 505 و 9 / 505. 3 - مر في 8 / 530. 4 - القرطبي 18 / 256 وهو مروي مع اختلاف. 5 - مر في الصفحة التي قبلها. { وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} | بصائر. وقد روي في غير هذا الكتاب مع هذا الاختلاف في الكلمات..
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله. وقوله: ( لولا أن تداركه نعمة من ربه) يقول جل ثناؤه: لولا أن تدارك صاحب الحوت نعمة من ربه ، فرحمه بها ، وتاب عليه من مغاضبته ربه ( لنبذ بالعراء) وهو الفضاء من الأرض: ومنه قول قيس بن جعدة: ورفعت رجلا لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي ( وهو مذموم) اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( وهو مذموم) فقال بعضهم: معناه وهو مليم. حدثني علي ، قال: ثني أبو صالح ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله: ( وهو مذموم) يقول: وهو مليم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وهو مذنب حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا المعتمر ، عن أبيه عن بكر ( وهو مذموم) [ ص: 564] قال: هو مذنب.
وقد قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} فأخبرنا سبحانه أنه قدر ما يجري من المصائب في الأرض وفي الأنفس؛ فهو مقدر ومكتوب لا بد من وقوعه مهما حاولنا دفعه، ثم بين أن الحكمة من إخباره لنا بذلك لأجل أن نطمئن فلا نجزع ولا نأسف عند المصائب ولا نفرح عند حصول النعم فرحا ينسينا العواقب، بل الواجب علينا الصبر عند المصائب وعدم اليأس من روح الله، والشكر عند الرخاء وعدم الأمن من مكر الله، ونكون مرتبطين بالله في الحالتين. المصدر: موقع اقرأ اسئلة متعلقة 1 إجابة 54 مشاهدات مراتب الإيمان بالقضاء والقدر أربعة اذكرها مارس 2، 2021 في تصنيف تعليم حبيبة محمد ( 1.
3- حصول اليقين في القلب: ولن يجد المسلم طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما قال الصحابي عبادة بن الصامت رضي الله عنه لابنه، وبعد أن يوقن بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس -رضي الله عنهما-: "... واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف " [3].
وصدق الله حيث يقول: ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا. والحمد لله رب العالمين. المرجع: من كتاب شرح الأصول الثلاثة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.