جاء في الحديث الشريف بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا» رواه الإمام أحمد والترمذي.
ونجد شواهد هذا الموضوع في سؤالات المروزي للإمام أحمد رحمه تعالى: قال المروزي: قيل لأبي عبد الله: أي شيء صدق التوكل على الله؟ قال: أن يتوكل على الله، ولا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيبه بشيء، فإذا كان كذا، كان الله يرزقه، وكان متوكلا. قال: وذكرت لأبي عبد الله التوكل، فأجازه لمن استعمل فيه الصدق. قال وسألت أبا عبد الله عن رجل جلس في بيته، ويقول: أجلس وأصبر ولا أطلع على ذلك أحدا، وهو يقدر أن يحترف، قال: لو خرج فاحترف كان أحب إلي، وإذا جلس خفت أن يخرجه إلى أن يكون يتوقع أن يرسل إليه بشيء. قلت: فإذا كان يبعث إليه بشيء فلا يأخذ؟ قال: هذا جيد. ويقول ابن القيم في "زاد المعاد": "فلا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى، وإن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، وإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد من هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ولا توكله عجزاً". ومن توكل علي الله فهو حسبه ان الله. ومن هذا البيان يفهم حق التوكل أنه ينصرف إلى الجمع بين الثقة بالله تعالى والأخذ بالأسباب دون الاعتماد الكلي عليها ، والإيمان بمقتضى التوكل أن المعطي والمانع هو الله تعالى، فلا يتكل المسلم على السبب وينسى الله مسبب الأسباب ومجري الأمور على السنن، كما لا يعرض عن الأخذ بالسبب بدعوى التوكل.
وقال سهل التستري: من طعن في الحركة – يعني في السعي والكسب – فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل، فقد طعن في الإيمان، فالتوكل حال النبي – صلى الله عليه وسلم -، والكسب سنته، فمن عمل على حاله، فلا يتركن سنته"[3]. وسئل أحمد بن حنبل عن التوكل، فقال: هو قطع الاستشراف باليأس من الناس. فقيل له: هل من حجة على هذا؟ قال: نعم، إن إبراهيم لما رمي به في النار في المنجنيق عرض له جبريل فقال: هل لك من حاجة؟ قال: أما إليك فلا. ومن يتوكل على الله فهو حسبه - محمد بن محمود الصالح السيلاوي. قال: فسل من لك إليه حاجة. فقال: أحب الأمرين إلي أحبهما إليه. [رواه البيهقي] والأعمال التي يقوم بها العبد ثلاثة أقسام: أحدها: الطاعات التي أمر الله عباده بها ، وجعلها سببا، للنجاة من النار ودخول الجنة، فهذا لابد من فعله مع التوكل على الله فيه، والاستعانة به عليه، فإنه لا حول ولا قوة إلا به، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فمن قصر في شيء مما وجب عليه من ذلك، استحق العقوبة في الدنيا والآخرة شرعا وقدرا. الثاني: ما أجرى الله العادة به في الدنيا ، وأمر عباده بتعاطيه، كالأكل عند الجوع، والشرب عند العطش، والاستظلال من الحر، والتدفؤ من البرد ونحو ذلك، فهذا أيضا واجب على المرء تعاطي أسبابه، ومن قصر فيه حتى تضرر بتركه مع القدرة على استعماله، فهو مفرط يستحق العقوبة.
وتعجب من بعض المسلمين حين يترك الأسباب ويقول: توكلنا على الله، وهذا سوء فهم للتوكل، وقد حج أقوام بلا زاد، فنزلت: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة:197]. أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن توكل على الله حق التوكل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين