ذات صلة كلمتان تجلبان لك الرزق حكم البسملة إسبال الثوب نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن التكبُّر والخيلاء في القول والفعل، حيث قال تعالى في سورة لُقمان على لسانه: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) ، [١] ونتيجةً لذلك فقد نُهِي عن كلّ ما يُقصَد منه التكبُّر والخيلاء، وجاء في الحديث القدسيّ الذي يرويه المُصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- عن ربّه: (الكبرياءُ رِدائي، والعظمةُ إِزاري، فمن نازعَني واحدًا منهما، قذفْتُه في النارِ).
أما إذا صنعه لغير الخيلاء وإنما هو للعادة فإن ما أسفل من الكعبين ففي النار، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أسفل من الكعبين فهو في النار». فيكون حراماً، لكن ليست له العقوبة التي يعاقب بها من جر ثوبه خيلاء؛ لأن هذا «ما أسفل من الكعبين فهو في النار» يكون التعذيب بالنار على ما نزل من الكعبين فقط، يكوى به ويعذب به في النار. هذا هو حكم الشرع في "إسبال" الثوب. ولا تعجب أن يكون العذاب بالنار بجزءٍ من البدن، فهذا ثابت في الحديث الصحيح حديث أبي هريرة: «ويلٌ للأعقاب من النار» في قومٍ توضئوا وقصروا في غسل أرجلهم، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى صوته: «ويلٌ للأعقاب من النار، ويلٌ للأعقاب من النار». فهنا العقوبة على محل التقصير فقط وهي الأعقاب. كذلك ما أسفل الكعبين فهو في النار، العقوبة على ما حصل فيه التعدي، وهو ما تحت الكعبين فقط. على هذا نقول: ما نزل عن الكعبين من الثياب فهو حرامٌ سواء صنعه الإنسان خيلاء أو لعادةٍ بين الناس، وهذه العادة يجب أن يبتعد عنها؛ لأن العادة إذا خالفت الشرع فهي عادةٌ باطلة يجب على المرء أن يتجنبها. وأما بالنسبة لصحة الصلاة فإن هذه المسألة مبنية على أصل مختلفٍ فيه؛ وهو: هل من شرط صحة الصلاة أن يكون الساتر مباحاً أو لا؟ فمن العلماء من قال: إنه يشترط في الثوب الساتر أن يكون مباحاً، وأن الرجل إن صلى في ثوبٍ محرمٍ عليه بطلت صلاته.
القسم الثاني: الرخصة: وهو ما نزل من نصف الساق إلى الكعب. القسم الثالث: ( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه). القسم الرابع: ما كان إطلاقاً، وهو ( ما أسفل الكعبين ففي النار). الحديث الرابع: قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد: ( الإسبال مخيلة). وهذا حديث ممتع، فهو يفصل لنا كل الأقوال، حتى لا يستطيع أحد أن ينازعنا في شيء، ويحمل على الإطلاق، سواء أسفل الكعبين أو فوق الكعبين. والحديث الخامس: قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه عندما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم حين مر على بيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من؟ قال: عبد الله ، قال: إن كنت عبداً لله فارفع إزارك)، وكان قد أرخى إزاره تحت الكعبين. الحديث السادس: الذي يتغنى به من يقول: بأن المسألة خاصة بالخيلاء، وهو أن أبا بكر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا رسول الله! إن إزاري يسترخي -يسقط- إلا أن أتعاهده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لست منهم يا أبا بكر! )، أي: لست ممن يفعل ذلك خيلاء. الحديث السابع: قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه حين صلى بالناس، فجاء أبو لؤلؤة المجوسي -عليه من الله ما يستحق- فطعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فأخذ عمر بيد عبد الرحمن بن عوف وجعله إماماً، ولما أتم الصلاة استقبل بجنبه الأرض، فدخل رجل يمدح في أمير المؤمنين، فقال: تشهد الله إذا سألك على ذلك؟ قال: أشهد الله على ذلك، فلما ولى الرجل نظر عمر بن الخطاب إلى ثوبه فوجده تحت الكعبين، فقال: إلي بالرجل، فقال له: يا بني!
الحمد لله. إذا أسبل الرجل ثيابه إلى ما تحت الكعبين بقصد الكبر والخيلاء فهذا محرم من غير خلاف بين العلماء ، بل هو من كبائر الذنوب. وقد سبق في جواب السؤال رقم ( 762) ذكر بعض الأحاديث الواردة في تحريم ذلك. وأما إسبال الثياب بدون قصد الكبر والخيلاء ، فهذا قد اختلف العلماء في حكمه على ثلاثة أقوال: التحريم ، والكراهة ، والجواز بلا كراهة. وجمهور العلماء من المذاهب الأربعة على عدم التحريم ، وهذه بعض أقوال علماء المذاهب في ذلك: ذكر ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/521) " أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ارْتَدَى بِرِدَاءٍ ثَمِينٍ وَكَانَ يَجُرُّهُ عَلَى الْأَرْضِ ، فَقِيلَ لَهُ: أَوَلَسْنَا نُهِينَا عَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ لِذَوِي الْخُيَلَاءِ وَلَسْنَا مِنْهُمْ " انتهى. وانظر "الفتاوى الهندية" (5/333). وأما المالكية: فذهب بعضهم إلى التحريم كابن العربي والقرافي. قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (7/238): " لا يجوز لرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول: لا أتكبر فيه ؛ لأن النهي تناوله لفظاً ، وتناول علته ، ولا يجوز أن يتناول اللفظ حكماً فيقال إني لست ممن يمتثله لأن العلة ليست فيَّ ، فإنه مخالفة للشريعة ، ودعوى لا تسلم له ، بل مِن تكبره يطيل ثوبه وإزاره فكذبه معلوم في ذلك قطعًا " وذهب آخرون منهم إلى الحكم بالكراهة وليس التحريم.
الحمد لله. أولاً: إسبال الثوب تحت الكعبين على سبيل الخيلاء من المحرمات المتفق عليها عند عامة العلماء ، بل هو من كبائر الذنوب ، كما ذكر الحافظ العراقي في "طرح التثريب" (8/172) ، وابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 259). ويدل على ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ). متفق عليه. وفي لفظ آخر عند البخاري (5791): ( مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مَخِيلَةً: لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). وعند مسلم ( 2085): (مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا الْمَخِيلَةَ: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). ورواه أحمد (8778) من حديث أبي هريرة بلفظ: ( لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى الَّذِي يَجُرُّ إِزَارَهُ بَطَرًا). وصححه الألباني. قال النووي: " قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْخُيَلَاءُ ، وَالْمَخِيلَةُ ، وَالْبَطَرُ ، وَالْكِبْرُ ، وَالزَّهْوُ ، والتبختر ، كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَهُوَ حَرَامٌ ". انتهى من "شرح صحح مسلم" (14/60).
واختار بعض الشافعية – كالذهبي والحافظ ابن حجر – القول بالتحريم. قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء" (3/234): رداً على من يسبل إزاره ويقول لا أفعل ذلك خيلاء. قال: " فتراه يكابر ويبرِّء نفسه الحمقاء ، ويعمد إلى نص مستقل عام ، فيخصه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء! ويترخّص بقول الصديق: إنه يا رسول الله! يسترخي إزاري ، فقال: ( لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء)! فقلنا: أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يشد إزاره مسدولا على كعبيه أولا ، بل كان يشده فوق الكعب ، ثم فيما بعد يسترخي. وقد قال عليه السلام: ( إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين) ، فمثل هذا في النهي من فصّل سراويل مغطيا لكعابه ، ومنه طول الاكمام زائدا، وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس " وأما الحنابلة: فقد نصوا على عدم التحريم. قال في: "الإقناع" (1/139): " ويكره أن يكون ثوب الرجل تحت كعبه بلا حاجة " انتهى باختصار. وقال ابن قدامة في: "المغني" (2/298): " ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل ؛ فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء حَرُم " انتهى. وقال ابن مفلح "الآداب الشرعية" (3/521): " وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( ابن تيمية) عَدَمَ تَحْرِيمِهِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَرَاهَةٍ وَلَا عَدَمِهَا " وانظر: " شرح العمدة" لشيخ الإسلام ابن تيمية ص (361-362).