نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا منفس الكروب، يا كاشف الضر، يا مالك الملك، يا قاضي الحق).
واما بالنسبة الى عبارة (يا كاشف الضر)، فان الشدة وازاحتها تكتسب تعبيراً آخر هو (الكشف)، ان الضر كما اشرنا هو النقصان الذي يصيب الشيء، اي: ما يتسبب في ما هو نقصان لنفع الانسان، والنقصان يحتاج الى (كشف) اي: الى رفع لذلك النقص ليعود النفع الى تمامه. بعد ذلك تواجهنا عبارة (يا مالك الملك)، فماذا نستخلص منها؟ من البين ان الله تعالى هو المالك للوجود، يستوي في ذلك ان يكون الوجود الدنيوي او الاخروي، ولذلك ورد في النصوص التفسيرية ان احد مصاديق عبارة (مالك الملك) انه تعالى مالك لامر الدنيا والاخرة. كما ورد ان من مصاديقه انه تعالى مالك كل ملك منحه تعالى للآخر، وورد انه تعالى مالك النبوة، المهم في الحالات جميعاً ان (مالك الملك) تنسحب على الموارد المتنوعة، فيما يكشف ذلك عن مظاهر عظمته تعالى. اما عبارة (يا قاضي الحق) فتعني بما انه تعالى هو الحق، لذلك رسم لنا الحق وطرائقه، وقضى اي: ابدع الحق وجعله ثابتاً لا امكانية لتصور ضده. اطلب حاجتك وما يجول في خاطرك برسالة لأبي الفضل العباس(عليه السلام)... اذن، امكننا ان نتبين جانباً من عبارة (يا قاضي الحق) وعبارة (يا مالك الملك)، والصلة بينهما حيث يتداعى الذهن من مالكيته تعالى للوجود وانه حق، بالنحو الذي احتملناه. *******
يا كاشف الضر قد جلت ضرورتنا = وليس غيرك في الدارين يكشفها عودتنا اللطف بعد اللطف منتظما = وأنت باللطف بعد اللطف تردفها فجد بلطفك ما أولتني كرما = فليس للعبد إلا الرب يكشفها
(فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ). أي: فهو على كلِّ شيءٍ قادرٌ، لا يُعجِزُه شيءٌ، ولا يَمتنِعُ منه، ومِن ذلك خيرُه وعطاؤُه؛ فلا يَقدِرُ أحدٌ على ردِّه عمَّنْ أرادَه له سبحانه. المصدر: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ). أي: وإن يُصِبْك اللهُ- يا مُحمَّدُ- بشدَّةٍ وبلاءٍ- كمَرَضٍ أو فقرٍ- فلا يَكشِفُه عنك ويَرفَعُه إلَّا اللهُ وَحدَه المُستَحِقُّ للعبادةِ. (وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ). أي: وإنْ يُرِدِ اللهُ لك الخيرَ- يا محمَّدُ- فلا أحدَ مِن الخَلقِ يَقدِرُ على ردِّ فَضلِه وإحسانِه. (يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ). أي: يُصيبُ اللهُ بالضُّرِّ والخيرِ من يَشاءُ مِن عبادِه. يا كاشف الضر / مناجاة - شبكة الدفاع عن السنة. (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). أي: وهو الغَفورُ لذُنوبِ عِبادِه التَّائبين، الرَّحيمُ بالمؤمنينَ. المصدر: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ). أي: وإذا أصابَتْكم الشِّدَّةُ في البَحرِ -كما لو أمسَكَت السَّفينةُ عن الجَريِ، أو اشتَدَّت عليكم الرِّيحُ، وهاجَت بكم الأمواجُ واضطَرَبت، وخَشِيتُم الغَرَقَ- غاب عن قُلوبِكم كلُّ مَن تَدعونَهم مِن دُونِ اللهِ، ولم تَستغيثوا إلَّا باللهِ وَحدَه؛ لعِلْمِكم بأنَّه لا يُنَجِّيكم أحدٌ سِواه.
المصدر: (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ). أي: ما أنتم- أيُّها المشرِكونَ باللهِ- بمُستغيثينَ بشيءٍ غير الله في حالِ الشَّدائدِ، والأهوالِ النَّازلة بكم؛ فتَدْعونَ ربَّكم الذي خلَقَكم، وإليه تَفْزَعون؛ لأنَّكم تعلمونَ أنَّه هو الذي بِيَده وحدَه إزالتُها، وأنَّ غَيرَه لا يَقدِرُ على رفْعِ الكُرُبات عنكم. يا كاشف الضر - YouTube. (فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ). أي: فيُفَرِّجُ عنكم ربُّكم عندَ استغاثتِكم به، وتضرُّعِكم إليه، ويُذهِب الكَرْبَ النازلَ بكم، إنْ شاء أنْ يَفعلَ ذلك؛ لأنَّه القادِرُ على كلِّ شيءٍ، ومالِكُ كلِّ شيءٍ؛ فإن شاءَ كشَفَ الضُرَّ عنكم، وإنْ شاءَ لم يَكْشِفْهُ، وذلك بحَسَب ما تقتضيه حِكْمَتُه سبحانه وتعالى. المصدر: تحميل التصميم تحميل نسخة النشر الإلكتروني تحميل نسخة الطباعة
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) يقول تعالى: ( قل) يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله ( ادعوا الذين زعمتم من دونه) من الأصنام والأنداد فارغبوا إليهم فإنهم " لا يملكون كشف الضر عنكم أي بالكلية ، ( ولا تحويلا) أي أن يحولوه إلى غيركم والمعنى أن الذي يقدر على ذلك هو الله وحده لا شريك له الذي له الخلق والأمر قال العوفي عن ابن عباس في قوله: ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) قال كان أهل الشرك يقولون نعبد الملائكة والمسيح وعزيرا وهم الذين يدعون يعني الملائكة والمسيح وعزيرا
ثم تلا قتادة ومجاهد: والله يدعو إلى دار السلام. وهذه الآية بينة الحجة في الرد على القدرية; لأنهم قالوا: هدى الله الخلق كلهم إلى صراط مستقيم ، والله قال: ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فردوا على الله نصوص القرآن.
ثم إن الله بعد أن بين حقيقة هذه الحياة، أتبع ذلك بالدعوة إلى الحياة الحقيقية، التي ينبغي على الناس أن يشدوا إليها الرحال، وأن يعدوا لها العدة، ويشمروا عن سواعد الجد، ويَحثُّوا الخُطا من أجل الوصول إليها والفوز بها. وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد من { دار السلام} الجنة، بدليل قوله سبحانه: { لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (الأنعام:127)، وقد ذكر المفسرون ثلاثة أسباب لتسمية الجنة داراً للسلام: فقال بعضهم: إنها سميت بذلك؛ لأن السلام هو الله تعالى، والجنة داره.
وهذه الآية بينة الحجة في الرد على القدرية; لأنهم قالوا: هدى الله الخلق كلهم إلى صراط مستقيم ، والله قال: ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فردوا على الله نصوص القرآن.
وقد تقدم شيء من ذلك عند قوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم} [ الفاتحة: 6]. والصراط المستقيم: الطريق الموصل. قراءة سورة يونس